خزانة الأديب :
حديثنا الليلة عن الركن السادس من أركان شخصية شيخنا؛ العلّامة الأستاذ الدكتور/ سعيد صوابي - رحمه الله -، وهو ركن الرقة!
نعم، فقد كان شيخُنا رقيقَ الحاشية، عظيمَ الحياء، قريبَ العَبْرَةِ، غزيرَ الدمْعة، لطيفَ اللفْظة، ميّالًا بفطرته إلى الرفق، نفورًا بطبعه عن العنف، وكان لطيفَ الأسلوب، نظيفَ الظاهر والباطن، يعفو عن مقدرة، ويسامحُ من غير منةٍ، ولا رياء
وكم من لحظاتٍ رأيتُ شيخَنا يتدبر القرآن الكريم-مصليًا أو تاليًا أو مستمعًا- فيخشعُ منه قلبُه وجوراحُه، وتسمعُ لصدره أزيزًا كأزيز المرجل، وتتبدى أمارات السكينة على وجهه المنير، وجوارحه الطهور!
شاهدتُ شيخَنا مرارًا يبكي تأثرًا بموعظة قيلتْ أمامه، أو موقفٍ يهيج عاطفته، أو رقة حالٍ لفرد أو أسرة، ولا يستنكفُ من الظهور بمظهر المتخشع أبدًا.
كان في قسم الدراسات الإسلامية بفرع جامعة أم القرى في الطائف عاملٌ مسلمٌ بنجلاديشيٌّ، وكان تابعًا لشركة النظافة المتعاقدة مع إدارة الجامعة، وكان شابًّا لطيفًا، نظيفًا، مطيعًا، جادًّا، في عمله، عارفًا بأصول مهنته، وكان الشيخ حريصًا على تفقد أحواله، وسؤاله عن أسرته، وكان الشيخ يتصدق عليه بمبلغ معلوم كل شهر، دون أن يعلم ذلك أحدٌ غيري، وفجأة تغيَّب العامل نور عن القسم، وجيء بعامل آخر بديلًا عنه، وطفق الشيخ يتحرى سبب غياب نور، حتى عرف أنه مريضٌ لا يغادر الفراش، فأصرَّ أن نذهب إليه في سكن عُزاب، أقرب إلى المقابر، وظل الشيخ يواسيه، ويدعو له، ومنحه مظروفًا ماليًّا؛ ليستعين به حتى يتم برؤه، ولا ينقطع رفده عن أهله!!
وما زُرْتُ الشيخَ مرةً في بيته العامر ببولاق الدكرور إلا وجدتُه يواسي هذا، ويُصيِّرُ ذاك، ويصل ثالثًا، ويتفقد رابعًا، ويسأل عن الغائب، ويهاتف المريض، ويتلقى هموم الناس ومشكلاتهم بحنان الأب، ورقة الداعية، وهمة المصلح، وعقل الحكيم، ونظر العالِم، وروح المشفق.
ولعلي أحدثكم في التبريحة القادمة عن الركن السابع في شخصية شيخنا طيب الذكر، وهو ركن الأستاذية.
الأستاذ الدكتور محمد علي صالحين
أستاذ مساعد سابق لدى كلية دار العلوم جامعة المنيا
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: