خزانة الأديب:
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ....
الأية المباركة من سورة الجمعة ويوم الجمعة ونداء الجمعة من خصائص الأمّة الإسلامية المحمّديّة التي تحمل رسالة السماء الخاتمة الخالدة.
ونداء الصلاة في يوم الجمعة نداء مخصوص لا ينبغي أن ينشغل عنه المسلمون ولا يجوز أن يمنعهم أو يصرفهم عن تلبيته صارف مهما بلغ الأمر وجل الخطب ولو كانت تجارة رابحة أو دنيا مواتية.
بعثة النبيّ صلوات الله وسلامه عليه تنبيء عن حكمةٍ جليلة عظيمة منزّهةٍ عن العبث من الله الملكٍ الحق المبين والذي شهد بوحدانيته وقيومته كل ما في السموات والأرض وهو سبحانه موصوف بصفات الجلال والكمال منزّه عن كلّ نقص لا يليق بذاته تعالى.
وأفعال الله سبحانه صادرة جميعها عن عزة وحكمة وقد تجلت حكمته في بعثة رسولٍ عربي أمي من العرب الأميين دون غيرها من الأمم التي بقيت فيهم الرسالات أمدا بعيدا لحكمة يعلمها الله تعالى وحده.
وقد بينت الآية الكريمة هنا وظيفة النبيّ الخاتم ومهمته التي أرسله الله من أجلها في إيجاز بليغ وبيان شاف هكذا:
{يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة}
بهذه الأفعال الكلامية الموحية المنتظمة في تناسب وتناسق وتناغم وإيقاع مبهر معجز يكشف للقارئ النابه تجليّات البعثة النبوية الشريفة من أنوار التلاوة والتزكية والتعليم والحكمة.
وإنه لشرف للعرب لو يعلمون عظيم ومعجزةٌ إلهية في قوم أميين لا يًحسنون القراءة والحساب ولا يعلمون ما الكتاب ولا الإيمان وإن ما يلفت النظر في الآية الكريمة هنا هو بيان قيمة الإنسان الحقيقية وأن هذه القيمة لا تكون إلا فيما يحمله الإنسان من رسالة ومنهج تربوي قويم.
وفي حياتنا الثقافية اليوم تغزو عقولنا مناهج ظلامية وافدة تتّسم بالغموض والتعمية والتلبيس قد يحسب أكثر الناس فيها منفعة وعلما واستنقاذا للأمة الضعيفة من التيه والضلال فإذا بها تأخذهم في أودية سحيقة تصيب الفكر أحيانا بالخبال والاضطراب وقد تصل بالإنسان إلى حد الاغتيال والاغتراب وفقدان الهوية ونسيان الذات.
الآية الكريمة فيها إبانة صريحة تجلي للناس معالم المنهج الرباني الصحيح فليت أصحاب العقول في أمتنا يفتشون عن سر الخلل ويضعون أيديهم على مواطن الضعف والقصور في مناهجنا ومقرراتنا التعليمية التي تختزلها عقول الطلاب في جميع المراحل الدراسية.
إنّ التعليم الذي يُخرّج لنا عقولا مشوهة وأفكارا منحرفة لا يمكن أن يكون تعليما جادا بالمعنى الصحيح وأيّ خلل في منظومة التعليم مرجعه إلى واحد من أمور ثلاثة لا محالة الأستاذ والمنهج والمنتفعين المستفيدين من عموم الطلاب والراغببن.
إن معالم المنهج الصحيح تعتمد في الأساس على تربية النفس وتزكيتها من الدرن والخبائث ثم العمل على تنمية العقول وتزويدها بالمعرفة الفلسفية والعلوم اليقينية حتى تصل بالإنسان إلى درجة التفكير العلمي المنهجي الذي يقدّر كل شيء ويضعه في موضعه اللائق به.
المنهج الصحيح هو الذي يًحوّل الإنسانية من الجهل إلى العلم ومن الظلام إلى النور ومن الضعف والتخلف إلى العزة والقوّة ومن حياة الشقاء والفقر والجوع إلى الحياة الكريمة الناعمة ومن التأخر والنكوص والرجعية إلى حياة التقدم والازدهار ومن حياة الضياع والتشرزم إلى حياة الاستقرار والبناء.
وإنّ الأمة التي تضيع وقتها في التوافه من الأمور ولا تحتفل بالعلم ولا تكترث بالعلماء ولا تنظر في مناهجها ومقرراتها ولا تشتغل في صناعة عقول أجيالها لهى من غير شك إلى الهاوية والضياع والسقوط أقرب.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: