ذكرياتي مع الدكتور سعيد صوابي (رحمه الله)
☆ الركن الخامس في شخصية العلامة الشيخ/ سعيد صوابي هو ركن المنهجية.
☆ لاغرو، فقد كان الشيخ ذا سبيل رشيدة مقتصدة، في كل شؤون حياته؛ دقيقها، قبل جليلها، وكان لا يأبه بتبرم الأقربين، فضلًا عن الأبعدين، من دقته، ومحافظته الصارمة على النظام في كل أمر ذي بال.
☆ ومما أذكره من منهجية شيخنا العلامة-عليه سحائب الرحمات- أنه كان يُفَرِّغُ شهر رمضان؛ ليلة ونهاره: للعبادة، وتلاوة القرآن، لا يزاحمه بشيء ألبتة، وكان يقول: إن بركة العبادة في رمضان تسري في أوصال سائر شهور العام!
☆ ومن دلائل منهجيته: أنه كان لا يخرج في خُطبه، ولا محاضراته، ولا دروسه عن الموضوع المقصود، ولا يتشعب يمنة، ولا يسرة، بالرغم من غزارة علمه؛ التي تغري صاحبها بالاستطراد كلما أراد، لكن شيخنا كان في غاية الموضوعية في هذا الجانب؛ الذي نعاني منه تقريبًا؛ متحدثين، أو مستمعين!
☆ وقد انتدبني ذات مرة؛ لقراءة بحوث ترقية أحد أعضاء هيئة التدريس غير المصريبن، إلى درجة أستاذ مساعد، ودار بيننا هذا الحديث الماتع:
& إن هذا التحكيم له مكافأة سخية، سأقتسمها معك.
^ فتعجبتُ، وقلت: يا مولانا يكفيني ثلاث جوائز؛ ثمرة لهذا العمل
& فقال مبتسمًا: وما هي ياشيخ محمد؟
^ قلتُ: ثقتك بي دون غيري من تلاميذك، وهم كُثْرٌ، واستفادتي من قراءة البحوث ذاتها، ثم استفادتي من ملاحظاتك التحكيمية، وهذه تكفي وتزيد.
& قال: ربما يكون كلامُك مقبولًا لو أنك ستقرأ هذه البحوث الستة-ومجموعها حوالي 400 صفحة- لمرة واحدة، لكنك ستقرؤها عليَّ ثلاث مرارٍ؛ مرة قراءة سردية وأخرى متأنية؛ لتدوين الملاحظات النقدية، والثالثة؛ لوضع الدرجات، وهذا سيستغرق من جهدك، ووقتك، الشيء الكثير!
☆ وكان ما أراد شيخُنا، وأفدتُ من موضوعيته التحكيمية دروسًا منهجية، لا أزال أطبقها حتى يومنا هذا.
☆ بعد عودته من الإعارة وجّه شيخُنا الجليل قلمه لنقض إفكين عظيمين؛ الأول: يخدش مقصد المحافظة على الأنساب: (قضية تأجير الأرحام)، والثاني: ينال من مكانة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ تجرأ أستاذ في تخصص العقيدة؛ فألف كتابًا في السيرة، وصف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، بما لا يليق به؛ مثل ( سيد الساحة)، فعكف شيخنا شهورًا، نقرأ عليه، ثم يُملي علينا مسودات، ثم نبيضها بأمره، ثم نعيد القراءة؛ للتدقيق، حتى إذا رضي عنها دفعها إلى الطباعة الفاخرة على نفقته الخاصة، ثم يبعث بنسخ إلى شيخ الأزهر، ووكيله، ورئيس جامعة الأزهر، ورئيس مجمع البحوث الإسلامية وأعضائه، وإلى زملائه الأساتذة في قسم الحديث الشريف وعلومه بكليات أصول الدين، فلا نلبث إلا قليلًا؛ حتي يأتيه التقريظ تلو الآخر؛ ثناءً على جهده وهمته، ومدحًا في نزاهته وموضوعيته.
☆ وفي المقال التالي في هذه السلسلة بإذن الله سنخصص الحديث عن الركن السادس من أركان شخصية شيخنا، وهو ركن الرقة!
الأستاذ الدكتور محمد علي صالحين
أستاذ مساعد سابق لدى كلية دار العلوم جامعة المنيا
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: