خزانة الأديب :
ذكرياتي مع الدكتور سعيد صوابي (رحمه الله )
• حديثنا في هذا الصباح الجميل عن الركن السابع من أركان شخصية شيخنا؛ العلّامة الأستاذ الدكتور/ سعيد صوابي -رحمه الله-، وهو ركن الأستاذية!
• نعم، فقد يسَّر اللهُ لشيخنا الجليل صفاتِ المُعَلِم، ومواهبَ الأستاذ، وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له!
• قصَّ عليَّ شيخي أنه تخرَّج في قسم الحديث الشريف وعلومه بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة، وكان الأول على فرقته (قسم المكفوفين)، طوال سني الليسانس الأربع، وكان يعقد الحلقات لزملائه في المسكن؛ ليشرح لهم كل ما يصعب عليهم من مقررات القسم؛ من متون الأحاديث، وأسانيدها، وعلم الرجال، والتخريج، وعلوم مصطلح الحديث، وكانوا يشهدون له بالنبوغ، والأستاذية المبكرة.
• ثم جاءه التعيين بعد التخرج على أقرب معهد أزهري لقريته (بني صالح/ بلبيس/ شرقية)؛ تقديرًا لتفوقه، فأثبت جدارته التدريسية، والتف حوله زملاؤه المعلمون، وتلاميذه المتعلمون على حدٍّ سواء، وكان لا يرد سائلًا، ولا يستنكف أن يقول: لا أعلم، حتى انتحى به عميدُ المعهد جانبًا، ونصحه النصيحة الذهبية: يا شيخ سعيد: إن مكانك ليس هنا، إني أراك كالوردة التي قُطِفَتْ من شجرتها، فهي تذبل كل يوم أكثر مما قبله، إن مكانك في القاهرة؛ حيثُ الشيوخ العظام في معهد القاهرة العتيق؛ بجوار كلية أصول الدين، وحيثُ الدراساتُ العُليا في قسمك الأثير؛ فلا تركننَّ هنا إلى جاهٍ زائفٍ، وشهرةٍ فارغة، وشُدَّ رحالك إلى العاصمة؛ حيث العلمُ ومواصلة الدراسة، وقد كان، ولم يمضِ على عودته الظافرة إلى القاهرة طويل وقتٍ حتى جاءه التكليف معيدًا، وبدأتْ مسيرة الأستاذية الكاملة في حياة العلّامة الجليل!
• أنعم الله على شيخنا-رحمة الله وبركاته عليه في عليين-بكافة مهارات التدريس، وعمِل هو مجتهدًا على ترسيخ هذه المهارات؛ من بداهة فهم، إلى تمام استيعاب، إلى حضور ذهن، إلى ذاكرة حاسوبية، إلى إجادة تحضير، إلى ترتيب أفكار، إلى صفاء قريحة، إلى ثروة لغوية ومصطلحية لا نظير لها، إلى عبقرية تبسيط المعلومة، وتقريب البعيد، إلى صبر وتؤدة وتأنٍ في الأداء والشرح والتكرار، إلى سبر وتقسيم لمفردات الدرس، أو المحاضرة، أو الخطبة، أو حتى التذكرة الخفيفة، ناهيك عن صياغاته المحكمة، وأسلوبه العذب، وتفكيره العميق، عند إملائه أية مادة علمية؛ مهما كان مجالُها.
• ومن اضطلاع الشيخ وتمكنه من أستاذيته أنه كان لا يفرُّ مثلنا من تدريس بعض المقررات في غير مجال تخصصه الدقيق (الحديث النبوي الشريف وعلومه) بل كان يُرحِّبُ بتدريس أي مقرر فيه صفة العموم؛ كالثقافة الإسلامية، أو به عجز في عدد أساتذته؛ كالتفسير، وعلوم القرآن، والفقه وأصوله، وكان يتبرع فوق نصابه بتدريس أربع ساعات أسبوعيًّا في مقررات القرآن الكريم وأحكام التجويد، فيتعجب الأساتذة-فضلًا عن الطلاب-من رسوخ قدم الشيخ وأستاذيته الواثقة من جميع هذه المقررات؛ حتى كان أول من يكتمل نصابُه من الطلاب (25 طالبًا فقط لكل مجموعة)، من أساتذة الكلية بالطائف السعيد.
• وكان من مئنة أستاذية شيخنا: ميله إلى الرفق مع طلابه، في كل شأن؛ بدءًا بالتدريس، مرورًا بالتكليفات والامتحانات، انتهاءً بالتقويم والتصحيح، فتدريسه أغزر تدريس وأوضحه، وامتحاناته أيسر امتحانات وأحبها إلى الطلاب، ونتائجه أعلى النتائج وأسرعها!
• ولعلي أحدثكم في التبريحة العاشرة والأخيرة عن مقام الشيخ وكراماته، وبه أختتم بحول الله سلسلة التباريح المخصصة لأستاذنا الجليل، عليه سحائب الرحمات.
• الصورة الملحقة بعث إليَّ بها فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور/ محمد صلاح عبده محمد، وهي أصل الأمر التنفيذي بتعيين الشيخين وآخرين، على درجة (معيد) بجامعة الأزهر الشريف.
تكملة الذكريات ستتابعونها تباعا على هذا الرابط إن شاء الله
الأستاذ الدكتور محمد علي صالحين
أستاذ مساعد سابق لدى كلية دار العلوم جامعة المنيا
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: