خزانة الأديب ـ رأي اليوم : أبوالحسن الجمال (كاتب ومؤخ مصري) .
مرت الذكرى الخمسون لرحيل الكاتب الصحفي والأديب طاهر الطناحي في أبريل سنة 2017 دون أن يحتفي به أحد، وهو العلم الفذ الذي أسس لمدرسة رائدة في الصحافة الأدبية، وبما تركه من آثار تدل على تفرده وريادته، وقد احتفيت به بالأصالة عن نفسي.. فكتبت عنه مقالاً وأجريت مع ابنه ثابت الطناحي حواراً صحفياً موسعاً، ثم أردت أن أرد الجميل لهذا الرجل فقررت أنأخوض رحلة طويلة المدى مع هذا الرجل الذي ظُلم كثيراً ولم ينتبه إليه أحد على مدار نصف قرن، فأسقطه مؤرخو الصحافة من حساباتهم، ولم يكتب عنه إلا بضع مقالات تعد على أصابع اليد الواحدة، كتبها أصدقائه وتلامذته المخلصين من أمثال: نقولا يوسف، وفكري أباظة، وصبري أبو المجد، ومحمد رجب البيومي، وعلي بركات، وأحمد حسين الطماوي. فشرعت أجمع شتات مقالاته المتناثرة في بطون الصحف والمجالات، وقد اجتمع لدي زاد كثير دل على موسوعية هذا الرجل الذي تنوعت كتاباته بين الصحافة والأدب ..
ويمكن حصر منجز الأستاذ طاهر الطناحي -الذي سنتناوله في فصول كتابنا هذا- عبر المحاور التالية :
- عمله في بلاط صاحبة الجلالة ..
- ارتباطه بكبار الأدباء والسياسيين ..
- اتجاهه الإبداعي: الشعري والقصصي والنقدي..
- دوره وإسهاماته في الصحافة الأدبية..
ومازال يعطي بحماس وبقلب الشباب حتى رحل في الرابع والعشرين من شهر أبريل سنة وبعد أن جمعت معظم مقالاته التي ستصدر قريباً في خمسة أجزاء، قررت إعداد كتاب عن حياته ونشأته ومنجزه في عالم الصحافة وعالم الأدب، وقد صدر الكتاب مؤخرا عن مكتبة مصر للسحار، تحت عنوان “طاهر الطناحي فارس الصحافة وعاشق في بحر الأدب”، وجاء في ستة فصول بخلاف الملاحق والصور.
ففي الفصل الأول تناولت عصره ثم حياته ونشأته، فقد ولد الطناحي في مدينة دمياط في أغسطس سنة 1902، وحفظ القرآن الكريم في مكتب المدينة، ثم التحق بمدرسة المرازي الابتدائية بدمياط، ثم بمدرسة “شمس الفتوح” التي أنشأها شاعر دمياط الكبير على العزبي. وفي هاتين المدرستين الأهليتين تعلم العديد من أعلام دمياط الذين نبغوا في مجال الأدب والفكر والتجارة والصناعة في هذه الفترة، ثم التحق بمعهد دمياط الديني وحصل على شهادته الابتدائية، وبعدها يمم شطره إلى مدينة القاهرة ليلتحق بمدرسة القضاء الشرعي بعد أن اجتاز اختبارتها الدقيقة وشروط الالتحاق بها وقد وضع لبناتها الأستاذ الكبير عاطف بك بركات، وقد اشترك الطناحي أثناء الدراسة في ثورة 1919، كغيره من طلاب المدارس العليا..
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد ألغي القسم التجهيزي بالمدرسة الذي كان يدرس فيها الطناحي، وقد قررت الحكومة ضم طلاب المدرسة الملغاة إلى الأزهر الشريف لولا ثورة الطلاب وقد تزعمهم طاهر الطناحي، وقد أتت هذه الثورة أكلها، فقرر وزير المعارف على باشا ماهر إلحاقه مبمدرسة دار العلوم، وقد انتظم فيها الطناحي، وقد ثار أيضاً مع زملائه حول مشكلة الزي الذي كانت تفرضه المدرسة وهو زي طلاب الأزهر الشريف، فنجحت مسعاهم ورضخت الإدارة لهم، وتحولوا إلى البدلة والطربوش، وذلك بفضل المقالات التي كانت يكتبها الطناحي في صحيفة البلاغ وغيرها من الصحف…
وفي هذا الفصل أيضا تناولنا رحلته مع الكتابة التي بدأت وهو طالب في مدرسة القضاء الشرعي،فبدأ يتردد على دار الكتب في باب الخلق، ويطلع على دواوين الشعر والمخطوطات، وقد حصلنا على أوراقه ومذكراته ومختاراته الشعرية والنثرية التي كتبها بخطه الجميل ودفاتره في مدرسة القضاء الشرعي، ومدرسة دار العلوم القسم التجهيزي والقسم العالي الذي مكث في ثلاث سنوات ..
والأوراق تثبت أن الطناحي قد مارس الكتابة أولاً عن طريق اختياراته للشعر والنثر من العصور الأدبية المختلفة، فاختار مقطوعات شعرية لأمرئ القيس، والكميت، وعلى بن الجهم، ومن المحدثين: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، والبارودي، وغيرهم..
ثم بدأ يكتب في صحف أبوالهول، والبلاغ، وأبوللو، وفي جريدة الأهرام، ثم بدأت رحلته مع دار الهلال منذ سنة 1927 وحتى سنة 1967 ..
وقد خاض قلم الطناحي في أوسع مجالات الكتابة، فكتب في الوطنية والسياسة، وكتب في اللغة والأدب والنقد، وعالج الهموم الاجتماعية، وكتب في التاريخ وسير العظماء، وكان رائداً في ذلك، يتسلح بزاد فكري ظل يكونه منذ صباه وحتى رحيله، وكتب في الإبداع الشعري والقصصي…
ثم تناولنا مؤلفاته المطبوعة التي تنوعت بين التراجم والسير، وفصول التاريخ، والنقد الأدبي، وذكرياته مع الأعلام كما أعد مذكرات وكتب ومقالات للنشر..
وقدم مذكرات الأعلام الذين عرفهم وعاصرهم أو من السابقين لعصره، وأشرف على تحقيقها والتعليق عليها والتقديم لها، فما لبثت أن صارت مراجع للنقاد والمؤرخين.
ومن مؤلفاته نذكر :
”على فراش الموت”، و”ألحان الغروب”، و”حديقة الأدباء”، و”حياة مطران”، و”شوقي وحافظ”، أما في مجال القصة ظهر له ثلاثة كتب أولهما “على ضفاف دجلة والفرات”، و”أمير قصر الذهب”، و”نشيد الكروان”، أما كتاب “أطياف من حياة مي” فقد طبع بعد وفاته بسبعة أعوام وذلك سنة 1974. ثم تناولنا في هذا الفصل دوره في جمع تراث بعض أعلام عصره وعلى رأسهم الإمام محمد عبده، ومساجلاته ومعاركه الأدبية كما تناولنا دوره في خدمة الأدب العربي حيث كان الطناحي عليما بأسراره.وفي الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان “في بلاط صاحبة الجلالة” تناولنا عمل الطناحي في دار الهلال الذي استمر قرابة 40عاماً عمل في كل مطبوعات الدار مثل:”المصور”، و”الدنيا المصورة”، و”الهلال”، و”كل شيء والعالم”، و”الأثنين والدنيا”، وكان يكتب التحقيقات ويجري الحوارات مع أعلام عصره من سياسيين ومصلحين وأدباء وأطباء بل تعداهم إلى الدول العربية، فأجرى الحوارات مع كبار أعلام العرب من أمثال : الملك عبد العزيز بن سعود، والملك عبد الله بن الحسين، والإمام يحي، ورياض الصلح، ونوري السعيد وغيرهم..
كما كتب الفصول التاريخية والمقالات الأدبية والنقدية والقصص والشعر..
وفي الفصل الرابع تناولنا “أدب المقال عند طاهر الطناحي”..
أما الفصل الخامس الذي جاء تحت عنوان “طاهر الطناحي أديباً” وكان طاهر الطناحي شاعراً مجيدا أُغرم بالشعر والشعراء،وقد تنوعت أغراضه الشعرية، فكتب في الغزل والصب، كما كتب في المديح والمناسبات والرثاء، وفي وصف الظواهر الاجتماعية، كما حدثت بينه وبين ابن بلدته الشاعر الدمياطي محمد مصطفى الماحي مطارحات شعرية، كما كتب القصة التاريخية والاجتماعية.. وله في هذا إنتاج غزير..
أما الفصل السادس “طاهر الطناحي وأعلام عصره” فتناولنا علاقته بهم وذكرياته معهم حيث وجدنا هذا في الحوارات الكثيرة وفصول التراجم عن هؤلاء وقد أتى فيها بالجديد الذي لم ينشر من قبل.. ثم ختمنا هذه الرحلة بفصل بعنوان “طاهر الطناحي خطيبا”، وقد اشتهر في هذا المجال وشهد له الكثير وأثبتنا هذه الشهادات، كما رصدنا شهادات زملائه وأصدقائه وتلامذته وماذا قالوا عنه وهي شهادات تدل على عبقرية هذا الرجل وتفرده..
وبعد أن قدمنا هذا المصنف نامل مستقبلا أن يتم تسليط الضوء عن الطناحي في دراسات علمية أكاديمية متخصصه سواء عن منجزه في عالم الصحافة أو دوره كأديب وناقد مجيد.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: