الدكتور أيمن العوامري يكتب : الوليجة لغةً واستعمالًا

شارك :

 خزانة الأديب :
بقلم الدكتور أيمن العوامري
الوليجة لغةً واستعمالًا :
============
تخبرنا المعجمات أن (الوليجة) فعيلة بمعنى مفعولة من (وَلَجَ)؛ وهي تعني كل ما دخل في شيء وهو ليس منه، ويقال للغِرارة بكسر الغين (الجُـِــوالِـَــق) بضم الجيم وكسر اللام وفتحها وبكسر الجيم واللام معًا معرب كواله أو جوال كما هو في الفارسية والتركية: وليجة، وبحذف التاء (وليج) اسم جنس، ويقال: (رجل خُرَجة وُلَجة) بزنة (فُعَلة)؛ أي: (كثير الخروج والولوج)، ومثله وزنًا: (هُمَزة لُمَزة)؛ أي: كثير همز الناس؛ أي: كثير الغِيبة، أما (لُمَزَة)، فكثير عيب الناس والتنقص منهم؛ وأصله: الإشارة بالعين ونحوها، ويقال: (أولج)؛ أي: أدخل، ومصدره (الإيلاج) ذو الدلالة العرفية المشهورة التي ضاق فيها المعنى وتخصصت فيه الدلالة، ثم انتقل معنى (الوليجة) ليدل على (البطانة) أو ما يتخذه الناس من ولي من غير جماعتهم أو قومهم؛ أي: ولي مغاير فكرًا وشعورًا، وقال قتادة: (الوليجة: الخيانة)، وقال الضحاك: (الوليجة: الخديعة) وقال عطاء: (هي الأَوِدَّاء)، أما الحسن فذهب إلى أنها (الكفر والنفاق)؛ ولا يخفى أن هذه المعاني من باب تسمية الملزوم باللازم؛ أي: التعبير بالنتيجة عن السبب؛ فالخيانة والخديعة والكفر والنفاق ومودة الكفار هي نتائج اتخاذ الوليجة لا الوليجة نفسها.

و(الوليجة) تُستعمل بطريقتين:

الأولى : أنها تدل بلفظها على النوع بقسميه، والعدد بأقسامه؛ فيقال: (هذا وهذه وهذان وهاتان وهؤلاء وليجة).

الثانية : التصرف عددًا؛ فيقال: (هذا أو هذه وليجة، وهذان أو هاتان وليجتان، وهؤلاء ولائج ووُلُج على حد صحائف وصُحُف).

ومن ثم فإن هذه اللفظة تجري استعمالًا مجرى ألفاظ أخرى مسموعة؛ نحو: (فُلْك، رسول، طفل...) والمصادر.

إذا عرفنا ذلك، تبين أن استعمال القرآن كلمة (وليجة) دون (ولي)؛ كما في قوله تعالى: 

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [التوبة: 16].

فيه ما فيه من النكات؛ إذ لا يخفى أن مجيئها نكرة يفيد التحقير وتهوين الشأن، علاوة على ما في التنكير من الإشارة إلى كونهم غرباء دخلاء مجاهيل، وكونها مفردة على الطريقة الأولى (التزام الإفراد) يدل على أن اتخاذ وليجة من دون المؤمنين حكمه واحد مهما تعددت طبيعة الولائج أو أجناسهم أو صفاتهم... هذا والله -سبحانه وتعالى- أعلم وأعلم وأعز وأكرم... 

--------------------------------------------
(*) الدكتور أيمن العوامري : لغوي وشاعر وباحث في مجالات كثيرة؛ منها: اللغة العربية، والقانون، والتاريخ، والفلسفة، والجغرافية... أنتمي إلى المدرسة الرومانسية وتحديدًا جماعة أبولو، عملت في التدريس وتحقيق التراث والتدقيق اللغوي والبحث العلمي، وأعمل الآن باحثًا حرًّا لا أنتظم في سلك أي مؤسسة، كما أنني أُدَرِّب الباحثين وأعلمهم فنيات ومهارات البحث العلمي؛ وهذه صفحته البحثية
من هنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا  . 
شارك :

أحدث المنشورات

الدكتور أيمن العوامري

درر لغوية

درر وجواهر العلماء

مقالات في علوم اللغة العربية

ما رأيك بالموضوع !

0 تعليق: