الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة السابعة عشر موسم شهر رمضان 1441 هـ

شارك :
خزانة الأديب :

الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة السابعة عشر موسم شهر رمضان 1441 هـ .
يقول رب العزة الجبار الجليل: ﴿لأعذبنه عذابا شديدا
أو لأذبحنه
أو ليأتيني بسلطان مبين ﴾[ سورة النمل 27/ 21]

هذه الآية آية مخوفة جدا،
وهى آية مرعبة جدا،
وهى آية تستنفر التالي والمتلقي لها.
الآية نظمت على رعاية نمط عجيب من البديع والتوقيع تراه في ذلك التعادل بين : لأعذبنه / ولأذبحنه،
ثم هى نمط من البديع في إيثار ذلك النوع من الإطناب تراه في تفصيل ما يلزم النهوض به لمواجهة المفرط، المهمل، المضيع للأمانات.
الآية في جزئها الأول : ﴿لأعذبنه﴾ نص في ضرورة رصد العقوبات للمفرطين.
التعذيب هنا نوع عقاب يناسب طبيعة المخطئ، وفي هذا يلزم مراجعة التفسير بالآثار، ومراجعة تراث الوجوه والنظائر.
لقد قالوا :إن التعذيب في هذا السياق عقاب الهدهد بنتف ريشه، أو تنزيل رتبته في الأعمال، أو أن يفرق بينه وبين إلفه وصاحبته، أو توظيفه في خدمة غيره أو الحكم عليه بأن يقيم مع أضداده .
وهذا الذي جاء عن السادة المفسرين نوع تفسير يذكر الأمثلة، وليس تفسيرا بحصر الوجوه، واستيعاب الأحوال عند تقدير العقوبات على المخطئ والمفرط. أو المهمل أو المضيع للأمانات.
والآية في جملتها الثانية ﴿أو لأذبحنه﴾ خاص بغير الإنسان ممن نهض بالأعمال من المخلوقات التي سخرها الله لخدمة الإنسان والحضارة.
وجزء الآية الأخير ﴿أو ليأتيني بسلطان مبين﴾ نوع احتراس؛ لأن المقام مقام خطر، وإنزال العقوبات يلزمه التريث، ويلزمه التمهل، ويلزمه التأني، ويلزمه جرد الأدلة ، حشد القرائن المادية الصلبة، والتوسع في قبول الأعذار، والتماس البراهين على البراءة، وذلك كله مركوز في بنية دلالة هذا الجزء الأخير، وهو المقصود بالسلطان المبين !
وتأخير القول بالنظر والتمهل في إيقاع العقوبات على من الظن فيه ارتكاب الأخطاء والتورط في الإهمال وتضييع الأمانات حتى قيام الحجة، أو توافر العذر المانع من العقاب إنما هو تأخير في النظم فقط، بدليل تقديم اتهام النفس في الآية السابقة ﴿ما لي لا أرى الهدهد﴾ وتأخير القول بتهمة المتهم ﴿أم كان من الغائبين﴾.


أو أنه كان تأخيرا في الرتبة والنظم معا، بالنظر إلى عدل سليمان؛ وحكمة سليمان، وسابق فطنة سليمان، وما تفرضه قوانين العدل المستقرة في طبيعة النبوة، وما تفرضه قوانين العدل المستقرة من سوابق أمر سليمان في سياسة الخلق، وإدارة الحكم.
والآية نص حريص على التفصيلات، وتنويع القول، والتشديد والتوكيد. وكل ذلك مقصود يلزم منه في الاستلهام المعاصر حزمة أمور. الآية تفرض على أهل الاشتغال بالقانون أن يفصلوا القول في الأحكام، والبنود، وتوزيع الأحكام على الأحوال. والآية تفرض على أهل الاشتغال بالقضاء التوسع البالغ في البحث عن الأدلة، والإفساح للمتهم في تحصيل دليل براءته، وتمكينه من أمر تحصيل أدلة براءته،
والآية تفرض على أهل الاشتغال بالقضاء التريث في إيقاع العقوبات، والآية تشير إلى دور القضاء في تقدير العقوبات بما يعني ترك مساحات كبيرة للسلطة التقديرية في يدي القاضي الأمين .



الآية تفرض إعادة النظر وتفرض التجويد في علم الإجرام والعقاب، وتطوير علوم التحقيق، وفحص الأدلة، ومسرح الجريمة، وفحص الاعترافات، والتوسع في ذلك بالمنهجيات المختلفة المتنوعة.
الآية تفرض على الأمة مراجعة قوانين انضباط الأعمال، ومراجعة قوانين العمل، ومراجعة تفصيلات الأعذار عند ظهور شبهة ارتكاب الأخطاء، أو شبهة التورط في الإهمال أوشبهة التورط في تضييع الأمانات.
الآية تقرر ضرورة مراجعة برامج التربية، والتأديب ولاسيما في ظل تفشي المشكلات الأخلاقية والاجتماعية .
الآية – في ظاهر أمرها- تدمغ كل أدبيات التربية التي تمنع من العقاب بالكلية ،وتجرم العقاب بالكلية.
والآية تفتح الباب لتطوير علم نفس العقاب في ظل حقائق الكتاب العزيز، وما يتضمنه الكتاب العزيز من عرض لطبيعة الإنسان ، وجبلته، وفطرته التي فطر عليها.
والآية بعد ذلك كله نص يدعو إلى حفظ الأمانات والنهوض بالأعمال وحياطة ذلك كله بتقدير التفصيلات .


شارك :

الدكتور خالد فهمي

درر وجواهر العلماء

قرآنيات

كأن القرآن يتنزل من جديد

كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة)

ما رأيك بالموضوع !

0 تعليق: