الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الخامسة عشر موسم شهر رمضان 1441 هـ.

شارك :
خزانة الأديب :


الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الخامسة عشر موسم شهر رمضان 1441 هـ.

يقول تعالى: ﴿فتبسم ضاحكا من قولها
وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علىّ وعلى والدي
وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين﴾[ سورة النمل 27/19].

هذه آية مبهجة جدا،
وآية مؤنسة جدا.
وآية تثير نوعا من الفرح الساكن، والبهجة الآمنة.
والآية تكشف عن إرادة نشر البهجة في الوجود الحي؛ إعانة على تحمل أعباء الخلافة في الأرض.
الآية تفتتح نظمها بــ ﴿فتبسم ضاحكا﴾ ، لتدفع توهم الارتباط اللازم بين الجد والعبوس في تفكير نفر كبير من الناس.
وأنت واجدٌ توكيد ذلك من عدة جهات:
أنت واجده من الفعل الماضي المحقق لليقين (تبسم) .
وأنت واجده من الحال المؤكدة التي كررت معنى الفعل ،وزادت في درجات وقوعه العملي: (ضاحكا) .
الآية تقرر أن سلوك الأنبياء والأتقياء يهش عند الثناء، ويهش عند ظهور نوع رحمة ينشرها الرائد بين قومه، ويهش عند ظهور الفطنة والحذر عند هجوم الأخطار وتتابع المشكلات.

وكل هذه معان تصاحب جملة ﴿فهم لا يشعرون﴾ التي مرت في ختام الآية التي سبقت هذه الآية، وأشارت إليها الآية مشغلة التدبر الآن عندما قررت وذكرت (من قولها).
مفتتح الآية درس في الاعتراف بمواهب الخلق، والسرور بمواهب الخلق، والانبساط بما يظهر من مواهب الخلق.
والآية في مفتتحها درس في أن الحرص على السواء النفسي، والفرح بنعم الله تعالى، والفرح بحسن أخلاق مخلوقات الله تعالى أمر واجب لا غنى عنه.

وتدلف الأية بعد هذا المفتتح إلى نوع شكر عملي يؤازر إعلان البهجة والفرحة والبسمة والضحكة بما هى ألوان من شكر الله تعالى، وحسن التلقي لنعمه في الوجود.
الآية تعلمنا أن حصول الوعي بالنعمة حامل على طلب شكرها، بنسبتها إلى الله تعالى أولا، وببيان انصبابها على المتنعم بها ثانيا، وبتأريخ تاريخها الطويل الذي يحيط بالمتنعم ثالثا.
الآية في جزئها هذا درس يفيد أن شكر نعمة الله واجب، وأن الشكر لا يكون إلا بإلهام الله به ، ولا يكون إلا بمعونة الله عليه.
ثم إن الآية في ختامها إعلان بديع عن طبيعة النموذج المعرفي الإسلامي المتمثل في العمل الصالح في الدنيا، وطلب الجنة في الآخرة.
الآية درس بالغ الأهمية في ضرورة الإيمان بأن العمل الصالح الذي يرضي الله تعالى هو من جملة الرزق ،وهو من جملة العطاء وتهدّي الإنسان إليه من جملة التوفيق المحض، وهو ما حمل على ضرورة الإلحاح في طلبه ، ودعاء الله تعالى ، يحققه في ذات العبد المؤمنة.
والآية مع ذلك كله درس في إسقاط مادة الغرور الإنساني، وإسقاط ما من شأنه أن يصور للإنسان أن كسبه وسعيه كاف في البلوغ به إلى مراتب الأمان والنعيم المقيم فتدفع إلى الدعاء وطلب الرحمة.
والآية بعد ذلك كله دعوة صريحة لإتقان صناعة البهجة في الأمة وإتقان صناعة الفرح، وإتقان صناعة البسمة والضحك. والآية بعد ذلك كله دعوة صريحة لحفظ النعم بتعلم الشكر، وإتقان صناعة الشكر اللساني بالذكر والحمد والثناء على الرب المنعم سبحانه، ودعوة صريحة إلى إتقان صناعة الشكر العملي من كل طريق ممكنة. الآية درس في البر بالأباء، والمشيخات وأصحاب الحقوق علينا،
والآية درس في ضرورة الإخبات، والتواضع، وهضم حق النفس، وعدم الاغترار بالأعمال والملكات والمواهب، لأنها من عطاء الله سبحانه.
والآية درس في منهج بناء الصداقات على قاعدة العباد الصالحين،
والآية درس في أهمية الرفقة الصالحة التي تحلو بها الحياة.
الآية تدعو إلى إعادة النظر في برامج تكوين فرق العمل، وتكوين المجموعات، في المؤسسات والهيئات على قاعدة "العباد الصالحين" ، بوصفه إحدى أهم المسوغات المؤهلة للأعمال.
والآية تدعو إلى إعادة النظر في برامج تنظيم المجتمعات على قاعدة ﴿وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحي﴾.
والآية تدعو إلى إعادة النظر في برامج التأمين الاجتماعي، والتضامن الاجتماعي ، والعلاقات الاجتماعية على قاعدة التراحم، لا التعاقد.
الآية نص بديع في أن الجد، وخشونة المهمات، غير مانعة من صناعة الفرح ، وصناعة البهجة عونا على تحمل أعباء الحياة ، وقسوة الحياة .


شارك :

الدكتور خالد فهمي

درر وجواهر العلماء

قرآنيات

كأن القرآن يتنزل من جديد

كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة)

ما رأيك بالموضوع !

0 تعليق: