الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الرابعة عشر موسم شهر رمضان 1441 هـ

شارك :

خزانة الأديب :
الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الرابعة عشر موسم شهر رمضان 1441 هـ

يقول الله ذو المنن والأفضال : ﴿حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم
لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾[ سورة النمل 27/18]

هذه آية عجيبة جدا، ومؤنسة جدا، وعاطفة على الإنسانية من جهة أنها تفتح الباب وسيعا لتوسيع مصادر المعرفة التي ينبغي للإنسان أن يستثمر فيها، وأن يرتادها.
وهذه آية تطوي في بنية مفتتحها تاريخا من الحركة، والأحداث.
إنها تقول إن جنود سليمان الذين اجتمعوا من كل فج وصوب لا يسكنون، وإنما يدأبون، ويعملون ويتحركون وينتجون ويحمون الممالك ويطلبون ازدهارها وانتعاشها.
الآية في مفتتحها تقرر أن "جنود الأمة"، وهم كل شعبها يلزمهم أن يضربوا في الأرض، ويرتادوا سبلها؛ يعلون جبالها، وينزلون سهولها ووديانها طلبا للقيام بواجب العمران والحضارة.
و﴿حتى﴾ في مفتتح الآية نص في أن الذين انتدبهم الله لعمران كونه يسعون لكي يدركوا منتهى الغايات في هذه السبيل.
والآية في مفتتحها مثال بديع كاشف عن مدي الجهد الذي يبذله أهل الإيمان في السعي لتأسيس العمران وحياطته؛ بدليل تعدية الفعل "أتوا" بحرف الجر :على، إشعارا بأنهم لا يمنعهم حزونة المسالك، ولا وعورة المفاوز أن يتحركوا ضربا في الأرض، وتمهيدا لبناء الحضارة، ودلالة على الله تعالى.
ثم يأتي جزء الآية الثاني مترعا مكتنزا بالدلالات، ليقرر أن واجب الرائد القائد أن ينصح لقومه، وألا يؤخر البيان عن وقت الحاجة إلى البيان، وأن يهضم حق نفسه عند هجوم المخاطر والمعاطب والأزمات.
الآية تقرر أن :"نملة قالت" وهو ما يعني أن الأزمات تنتج رموز قيادتها، وتقرر أن المبصر العليم هو أمير القوم؛ لأنه صانع نجاتهم، وهو بعض ما يمكن أن يفهم من التنكير.
و ﴿يا أيها النمل﴾ جملة نداء صريحة مثالية نحويا، تتركب من(يا)حرفا للنداء، ومن (أيها) صلة للمنادى، ومن(النمل)منادى، لكي لا تترك فرصة للتأويل ولا فرصة لتعويض المحذوف ولا فرصة لذهول مستحق للتنبيه عما يلزم التنبه له.
ثم يأتي جواب النداء مشتملا على : الطلب المقصود، مشفوعا بدليل الشفافية المركوز في تعليل المطلوب.
جزء الآية يقول : (ادخلوا) ، وطلب الدخول : طلب تأمين، وطلب استتار من مواجهة هجوم ظاهره الدمار وهلكة الأقوام وفناؤهم.
وطلب الدخول رحمة، وشفقة ورأفة.
وتعيين مكان الدخول والاستتار غير مكلف، ولكنه أيضا يكشف عن عمران قوي ، سبقت رعايته في الزمان القديم.
والآية في جزئها هذا تلوذ بالتعليل للمطلوب الرحيم﴿لا يحطمنكم سليمان وجنوده ﴾. وهذا التعليل يعكس أهمية تقدير القيادة لشعبها وقومها، ويقرر أن إشراكهم في إدراك الأمور واجب، وأن التعامل معهم باحترام وتقدير أمر لا غنى عنه.
والتعليل في جزء الآية هذا يكشف عن أن الأمة جسد واحد لا ينماز قطاع منه عن قطاع ولا ينبغي ولو كانت الدواعي إلى ذلك متوافرة في الظاهر.
جزء الآية يقول :إن القيادة لا يحق لها أن تتعالى على الجماهير بحكم أنها في موقع الصدارة، فتحجب المعلومات عن الجماهير؛ متعللة بأنها إنما تفعل ذلك رحمة، ومصلحة، وحماية للجماهير.
ثم تختتم الآية أمرها بنوع تقدير لمقام المصلحين الذين لا يتصور منهم تعمد الإيذاء لأي من مخلوقات الله ، ولا يتصور منهم تعمد هدر لموارد الأمة ولو كانت دواب أو حشرات.
الآية تعيد الإلحاح على ضرورة معاودة النظر في برامج تصنيف الكائنات.
وتتوسع في مراجعة ما هو قائم منها على هدي ما يقرره الوحي العظيم في البحث عن إجابات سؤالات من مثل : كيف عد الكتاب العزيز النمل من جملة الطير؟
والآية تدعو إلى تأسيس الوعي بأهمية فهم مسلك النمل في التخطيط، والادخار ، وحفظ ما تجمعه وتحمله إلى قراها.
والآية تدعو إلى ضرورة دراسة عمران مساكن النمل، وقدرتها على البقاء، والتحمل لهزات مسير السائرين الذين يتجاوزون في أوزانهم وأحمالهم أوزان النمل الآف الآف المرات،
وتدعو إلى ضرورة استلهام هذه القواعد في عمران الحياة البشرية.
والآية تعيد الإلحاح إلى ضرورة البحث في آليات التواصل على هدي ما تواصلت به النملة مع نمل واديها كله.
الآية توشك أن تأمر بمراجعة قوانين المرور، وتوشك أن تعالن بأن إحدى ركائز القيادة الناجحة أن يسكن الخوف والرحمة على الجماهير قلوب قادتها، وأن يكون عماد حركتها في خدمة الجماهير هو طلب دفع الأذى عنها، والنصح لها.
الآية نص بديع في أن التصدر يلزمه البصر، والعلم والعدل والرأفة والرحمة والشفقة والبذل جميعا.
شارك :

الدكتور خالد فهمي

درر وجواهر العلماء

قرآنيات

كأن القرآن يتنزل من جديد

كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة)

ما رأيك بالموضوع !

0 تعليق: