الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الثالثة عشر موسم شهر رمضان 1441 هـ
يقول رب العزة الغني الوهاب﴿وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير
فهم يوزعون﴾[ سورة النمل 27/17].
هذه آية مؤنسة لتاليها ومتلقيها معا.
وهى آية من الآيات المكتنزة بالخير إذا ما أحسن الناس استقبالها واستلهامها بما يليق بها.
الآية تلوذ بالحكي.
والحكي مؤنس على الدوام، ويسكن فيه ما يحمل النفوس على الإقبال عليه ، والخضوع بين يديه؛
ذلك أن الحكي يغازل جبلة الإنسان، وما فطر عليه من حب الإيناس والاجتماع، والاتصال بمن يكسر غربته، ويغتال وحشته.
الآية تقرر أن تمام المُلك، ونهوض الممالك يلزمه تقدير الموارد، وجمعها من المواطن المتفرقة المختلفة، ولأجل ذلك استعملت الآية في مفتتحها الفعل ﴿حشر﴾ ،
والحشر : إحضار للمجاميع المشتتة،
والحشر: جمع دال على نوع سيطرة ، وامتلاك للأمور والحشر: إدارة عاقلة لهذا الذي جمع.
الآية تقرر أن أعظم موارد التنمية غير بعيدة من الإنسان وما سخره الله تعالى له من الدواب والطير المأمورة بأن تلين له ، وتذلل له، وتأتمر بأمره.
جزء الآية ومفتتحها يلح علينا في تأسيس علم لإدارة الحيوان، وإدارة الطير من حيث هما جنسان مسخران في يد الإنسان لتنمية الوجود .
ومفتتح الآية يوشك أن يوجه نوع تهمة للإنسان المسلم المعاصر الذي بدا منه نوع تقصير في استثمار الدواب والحيوان والطير في التنمية الحضارية، وفي حماية الممالك والبلدان.
الآية تقول إن بعضا من تكريم الله للإنسان ماثل في منحه سلطة الإدارة ، وسلطة الإفادة مما سخره الله له في الوجود المحيط.
والتعبير بالجنود عما حُشر لسليمان يكشف عن نوع تنبيه إلى أهمية الانتظام في إدارة موارد الحياة ، وعن تشمير وجِدٍّ في إدارة موارد الحياة وعن نوع احتشاد، واجتماع وتنظيم في تثمير موارد الحياة.
والآية في مفتتحها وإن قررت اجتماع الجن والإنس والطير لسليمان فإنها قررت ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر ، بدليل أن الله سخر لسليمان الريح، وسخر لسليمان الأرض ،وصخورها ، وحجارتها ، وحشراتها وما شئت مما خلق الله تعالى.
الآية توشك أن تتهم الأمة المسلمة في تاريخها المعاصر بالتقصير في العطف على كل هذه الموارد التي هيأها الله لها. وتوشك أن تقرر أن تراجعها الحضاري مرجعه إلى نوع من الغفلة البينة عما سخره الله لها، وذلله لها، وحشره لها في أراضيها وبحارها وسمواتها.
الآية في ختامها :﴿فهم يوزعون ﴾تعلن أن تتميم النعمة التي حشرها وجمعها الله لسليمان ، يمكن أن تتكرر لكل حاكم عادل عالم بصورة من الصور ،
ولا يصح أن ننسى أن النماذج القرآنية تستحيل مناهج، قابلة للتكرار، وعليه فإن سليمان قابل للتكرار، ذلك أن قصص الكتاب العزيز تتحرك هادفة إلى تقرير جملة من الأحكام ، وتقرير جملة من الاستلهامات المتجددة ، وتقرير جملة من العبر التي لا يصح الذهول أو الغلفة عنها.
والفعل المضارع :يوزعون ، دليل آخر من بنيته الزمنية على هذا الذي نميل إليه.
الآية في ختامها تقرر أن إحدى وظائف حفظ الممالك والبلاد ماثل في القدرة على قيادة الموارد والقدرة على إدارة الموارد ، بحسب نوع كل منها.
الوزع : سوق للجماعات،وسياسة لها.
والوزع : دفع ، والوزع منع، والوزع : تسلط وإدارة .
وهذا الختام نص في ضرورة التوسع في علم إدارة الجماعات، وعلم إدارة تنظيم المجموعات والتوسع في الحسبة، والتوسع في الاحتياطات المانعة من اختلال الأسواق، والمدارس والجامعات والحكم المحلي،
الآية تقول إن أحد أعمدة الترقي ماثل في تجديد علم إدارة الجماعات.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: