خزانة الأديب :
الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الخامسة والعشرون موسم شهر رمضان 1441 هـ..
يقول رب العزة الحليم الودود :﴿ قالت يا أيها الملأ
إني ألقي إلى كتاب كريم﴾
[ سورة النمل 27/ 29].
هذه آية من آيات المنهج في سياسة الحكم الرشيد.
وهى آية من آيات المنهج في سياسة العلاقات الدولية الخارجية المؤسسة على تقدير الحكومات والأنظمة في كل بلدان العالم.
الآية حكاية رد فعل ملكة سبأ على كتاب سليمان عليه السلام ابتداءً.
وهذه الحكاية تطوي تفصيلات دقيقة في الطريق، تتضمن طاعة سفير سليمان، ونهوضه بمهمته التي كُلِّف بها، وتتضمن تحقيق الجزء المهم من التكليف بتوصيل رسالة سليمان إلى مملكة سبأ.
والنداء في الآية كاشف عن بعض أسباب التقدم المادي الذي حازته مملكة سبأ في حقبة من تاريخها القديم، كامن في سياسة الشورى، ومراجعة الحاكم لمؤسسات الحكم في مملكته، إذ النداء متوجه للملأ.
والملأ : وارد أن يتوجه إلى العلماء، وأهل الخبرة، وأهل الحكم والسياسة، وأهل الخبرة بشئون العلاقات الخارجية والدولية.
والملأ : وارد أن يكون منصرفا إلى أعضاء الغرف النيابية، ومجالس الشورى، والشيوخ والنواب الذين يمثلون الشعوب وينهضون بالوفاء بمصالحها، ومقدرات أوطانها.
والنداء دليل على سياسة رشيدة تنتهجها ملكة سبأ وتحرص عليها كما سيتضح في آية تالية مباشرة تقرر أن نجاح الممالك وترقيها مرهون بالحكم الذي ينهض على احترام العقول المجتمعة، وينهض على تقدير المؤسسات وتفعيلها وينهض على الشورى ، وتبادل الرأي، وانتخاب الأصلح لضبط ناتج عمل العقول النابهة في الأمة.
والملأ : وارد أن يكون إشارة إلى ضرورة العناية بما يوثّق انتماء أصحاب العقول إلى أوطانهم، بتكريمهم، والبذل لهم، وتحقيق الغنى والامتلاء لهم، ومنعا من مادة استقطابهم أو سرقة عقولهم من دول أخرى مجاورة أو غير مجاورة .
والآية في جزء جواب النداء:(إني ألقى إلى كتاب كريم) تعيّن قضية التباحث، والمناقشة، والتشاور، وهو ما يلزم عند الإعداد للاجتماعات واللقاءات.
وتكشف عن نمط من تقدير أهل الخبرة بالتكلم إليهم بضمير المتكلم الفرد، مما يعكس نمطا من سياسة الحاكم الذي يقترب فيه الحاكم من مؤسساته الفاعلة المشاركة له في إدارة الحكم.
والآية في جملتها هذه تدعم أن سمت كلام الكبار يتوجه إلى الخلوص إلى المقصود من أقرب طريق، وهو بعض ما يسكن بنية الفعل المبني للمجهول: (ألقي)الذي طوى في بنيته عددا من المعلومات التي تبدو مؤخرة الرتبة في هذا السياق، من مثل: المعلومات عمن ألقى الكتاب وحمله؟ وعن طريقة وصول الكتاب إليها؟ خلوصا إلى القضية الأساسية التي تتضمنها الرسالة.
وفي التركيب النعتي (كتاب كريم) :بعض آثار الدبلوماسية في الدول الراقية، القائمة على احترام الدول، وتقدير الآخرين، والعمل على بناء جسور من العلاقات الحسنة بإنتاج خطاب دبلوماسي ناعم.
الآية تفتح الباب وسيعا أمام عدد كبير من الحقول التي يجب على الأمة_ وهى تستلهم كتابها العزيز_ أن تنتبه إليها بالخدمة. والتطوير في العصر الحديث.
الآية نص في ضرورة تطوير دولة المؤسسات، ونص في ضرورة بناء سياسةالحكم الداخلي على تقدير أصحاب العقول والخبرة في الأمة، ونص في ضرورة إعادة التفكير في قوانين بناء المجالس التشريعية والنيابية .
والآية تدعو إلى تعزيز سياسات دعم الانتماء لدى أصحاب المواهب والمهارات من أبناء الأمة، والآية تدعو إلى مراجعة سياسات الدخول والمرتبات والحوافز لأصحاب المواهب والملكات من أهل العلم بالاختصاصات النادرة الداعمة لحفظ مقدرات الأمة في مواجهة الدول المنافسة، أو العدوة.
والآية توشك أن تكون نصا في تجريم هجرة عقول أبناء الأمة إلى الخارج والآية نص واضح جدا في ضرورة تأسيس نمط من الدبلوماسية الناعمة، من طريق تطوير خطاب دبلوماسي راق وفعال وقائم على الاحترام المتبادل بين الدول والشعوب وثقافاتها المختلفة.
والآية توشك أن تأمر بتطوير دراسات الوثائق، وتحقيقها وإتاحتها ودراسات الكشف عن سبل وثاقتها وصحتها وسبل تزويرها،
والآية نص في ضرورة تطوير دراسات الأختام "والرنوك" أو ما يُطبع على العملات والأختام من شعارات ورموز.
والآية فيما طوته من أخبار قيام السفير أو الهدهد بمهمته مدعوة لتطوير اختبارات اختيار السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي على قاعدة العلم، والخبرة، والوعي بالمقاصد الوطنية، والتفوق التواصلي.
والآية كنز شديد الثراء فيما ينهض به، ويلخص فيه قواعد نجاح الدول وتقدمها عندما تقرر أن سيادة الدول، والتمكين لها في عالم الصراعات والمنافسات يكمن في أمرين بالغي الظهور هما:
- تقدير الحكم المؤسسي واستثمار الكفاءات الوطنية من جانب.
- وتقدير قوة الخصوم والاستعداد لها ومواجهتها من جانب آخر.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: