الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الرابعة والعشرون موسم شهر رمضان 1441 هـ.

شارك :
خزانة الأديب :

الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الرابعة والعشرون موسم شهر رمضان 1441 هـ.

يقول رب العزة العليم الخبير ﴿اذهب بكتابي هذا
فألقه إليهم
ثم تول عنهم
فانظر ماذا يرجعون﴾ [سورة النمل 27/28]

هذه آية من آيات تقدير الخطر عندما يهجم على الأمة ،
وهى آية نص في إصدار القرارات والتعليمات في وضوح وتراتب منهجي،
لقد ظهر صدق الهدهد،
وهو ما ظهر من تكليفه هذا .
الآية نُظِمت على هيئة المربع الجامع المفصِّل لعمل رجال الدولة وعمالها في الشئون الخارجية ، وتنظيم العلاقات الدولية .
في ضلع الآية الأولى توصيف لطبيعة المهمة الأساسية: (اذهب بكتابي هذا)،
وهذه الجملة نص صريح في ضرورة العناية بالكتابة، وضرورة ضبط قواعد الكتابة السياسية،
وقد فهمت الأمة المسلمة في تاريخها المبكر ذلك ،
وأسس رسول الله ديوانا أو ما يشبه الديوان لمكاتبات ملوك الأرض، وزعماء البلدان، وأمراء ذلك الزمان،
وتطور ذلك جدا حتى صار له رسوم وقواعد وبرامج وتفصيلات على الأحوال.
والجملة نص مثالي كاشف عن سمت كلام العقلاء الكبار الذين لا يعرفون فضول الكلام، وينأون بخطابهم عن التزيُّد، ويقصدون إلى المطلوب من أقصر طريق ، وأوضحه ، وأسلمه.
والآية كاشفة عن تواضع سليمان عليه السلام، وهو ما يكشف عن استعمال الضمير في: (بكتابي) الدال على المفرد المتكلم ، وهو ما يدل على تقدير الحاكم للعاملين في الأمة.
وفي الآية استثمار عبقري لاسم الإشارة بعد ذكر الكتاب؛ قطعا للطريق على أي لبس؛ ذلك أن التعيين بالإشارة يطيب عند ورود احتمالات اللبس أو التداخل فيمنع منه .
ثم ترد الجملة الثانية: (فألقه إليهم ).
والإلقاء : كلمة محتملة لمعاني التوصيل، مع ضمان صيانته، وحمايته، وتعدية الفعل بشبه الجملة :(إليهم) يكشف عن نمط من تقدير الآخر، واحترامه ، وإنزاله منزلته من التكريم والحفاية؛ ذلك أن استعمال ضمير الغائب الجمع(هم) يفرض التنبيه إلى نمط من التقدير في الدبلوماسيات والعلاقات الدولية.
والآية نص دال على رعاية الدبلوماسية الإسلامية للآداب والأخلاق التطبيقية في العلاقات الخارجية، دعمًا لتحقيق سمعة كريمة للفكرة الإسلامية تطبيقيا، ودعما لنشر أفكارها في الأوساط الخارجية ،
ثم إن ضمير الجمع في الحديث عن القوم يكشف عن نوع تقدير لمعلومات التقرير الذي قدمه الهدهد سلفا؛ عندما أجرى كلامه فيه على الجمعية في وصف أحوال أهل مملكة سبأ ، وسجودهم للشمس – فناسب إجراء الكلام من سليمان على الموافقة لجريان في تقرير الهدهد.
وربما احتمل وجها آخر يقضي باحترام الشعوب، وتوجيه الرسائل لهم مع حكامهم .
وهو ما يعني ضرب مؤسسات الحكم الفردي والشمولي والاستبدادي في خطاب الدبلوماسية كما وردت في الكتاب العزيز ونظمها.
وأما الجملة: (فتول عنهم)، فهى استمرارا لرعاية آداب التواصل مع الملوك والحكام وكبار رجال الدولة في العلاقات الدولية، وربما فتحت الباب لما يعرف بقواعد الاتصال في العلاقات الخارجية،
والجملة كذلك نص في منح الفرصة لإجراء المشاروات، والإعانة على تأمل منهج سليمان عليه السلام في الحكم القائم على التدبير، والاحتياط ، والشورى ، وسؤال أهل الخبرة والذكر والمعرفة.
وجملة ختام الآية :(فانظر ماذا يرجعون) هى مركز الآية، وهى ما يتوجب على الأمة في بناء علاقاتها الدولية الحرص عليه ، والتنبيه إليه.
الآية نص بديع في ضرورة العناية بتطوير قواعد الكتابة الدبلوماسية، والعناية بوثائق العلاقات الخارجية صناعة وحفظا، وإنشاءً وتحليلا .
والآية نص في ضرورة تطوير منهجية التواصل في العلاقات الدبلوماسية ، وفي ضرورة ضبط قواعد الانتظار والإقامة حتى يرجع السفراء بالردود،
والآية نص في أهمية تدريب السفراء على حماية مقدرات أوطانهم في فترة انتظارهم الردود على كتب بلدانهم ورسائلها منعا من تمكين الآخرين من الحصول على معلومات قد تضر بالأمن القومي للأمة المسلمة .
والآية نص في ضرورة تطوير الأخلاق التطبيقية في ميدان العلاقات الدولية والتواصل الخارجي ، وتطوير آداب التعامل مع الرؤساء والملوك والأمراء .
والآية نص في ضرورة مراجعة تراث آداب الملوك عند العرب والمسلمين، وتحقيقه ، وتحليله ، ومراجعته على هدي آيات الكتاب العزيز، وقصص الكتاب العزيز ، وتطبيقات عصر النبوة الكريم .
والآية في نظمها ورعاية تفصيلات المهمات تكشف عن أهمية دعم برامج التخطيط الاستراتيجي ، وإدارة الشئون الخارجية ، وتراتب المراحل ، وضرورة الاستعانة بالاختصاصات المختلفة في صياغة خطابات العلاقات الخارجية ، ررسم السياسات والسيناريوهات والخطط الاستباقية وضرورة بناء رجال دولة نابهين لمواجهة المستقبل.
والآية دعوة إلى تطوير صناعة الكتاب ،وتطوير صناعة الاتصال، وتطوير مختبرات الكتابة الفنية المختصة ،
والآية دعوة إلى تطوير مناهج اللسانيات ، وتطرير برامج الكتابة الوظيفية.
وربما تكون دعوة لدعم لسانيات التفاوض ، ولسانيات الدبلوماسية ولاسيما في ظل الإهمال المعاصر لهذه الفروع المعرفية في حقل اللسانيات المتسع في بلدان الوطن العربي والإسلامي.
شارك :

الدكتور خالد فهمي

درر وجواهر العلماء

قرآنيات

كأن القرآن يتنزل من جديد

كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة)

ما رأيك بالموضوع !

0 تعليق: