الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الحادية والعشرون موسم شهر رمضان 1441 هـ

شارك :
خزانة الأديب :

الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الحادية والعشرون موسم شهر رمضان 1441 هـ.

يقول الله الواحد القهار :
﴿ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض
ويعلم ما تخفون وما تعلنون﴾ [ سورة النمل 27/25]

هذه آية منهج بامتياز.
وهى آية من آيات إدارة زمان الأزمات وحقب المحن، وأوقات الانفضاض عن حياض الإيمان، والانصراف عن الأعمال الصالحات.
الآية تسير في خطين متتابعين متكاملين،
يدعو الخط الأول فيها إلى شيء من كمالات الأمور،
ويدعم الخط الثاني فيها هذه الدعوة، ويدلل عليها، ويعلل لها.
الآية تتحرك بحمولات دلالية غنية جدا،
تأتيها من تنوع وجوه قراءتها المقصودة جميعا.
وتنوع وجوه القراءات في الحرف الواحد أو الآية الواحدة نوع تغلب على عجز اللغة، ونوع صناعة تتطلب كمال المعنى، واستيعابه، واحتواء تزاحم المعاني؛ بحيث تصير القراءات جميعا هدفا مقصودا صانعا لمرادات الله تعالى،
وتجليات الآية في خطها الأول ﴿ألا يسجدوا﴾ محمولة على ناتج صد الشيطان الناسَ عن السبيل،
ومحمولة على أو هى متعلقة بقوله تعالى ﴿فهم لا يهتدون﴾ وعندها لا يسجدون!
وتتضمن نوع أمر خطاب للأمة ألا تتورط في استيراد نماذج معرفية مخاصمة لنموذجها المعرفي،
وأمر للأمة ألا تتورط في استيراد المنهجيات الإصلاحية ، وأمر كاشف عن أن الإصلاح غير قابل للاستيراد،
وأمر بتأسيس النموذج المعرفي الإسلامي في النفوس،
وأمر بتعديل السلوك في الأمة لكي يتوافق مع مراد الله تعالى،
ودعوة لتحقيق غايات الكمال السلوكي والأخلاقي والمعرفي من طريق الوسائل الإسلامية، والطقوس والعبادات الإسلامية بوصفها سبلا مقصودة لتحقيق الغايات المقصودة،
وهو أمر يقطع الطريق على التورط في تقليد مسالك الأمم الأخرى،
وأمر بالتمايز العقدي العبادي!
وتحتمل الآية في خطها هذا تنبيه الأمة إلى أن مخالفة النماذج المعرفية المخاصمة للإسلام هو مطلب دين وحضارة واستقلال وطني.
والآية في خطها الثاني أو التالي تنهض بالتعليل والتدليل على ما كان في خطها الأول.
جزء الآية ﴿الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون﴾ دليل على أن إعادة بناء النموذج المعرفي الإسلامي في النفوس دعوة حق، ودعوة رشد، ودعوة تهدف إلى تحقيق مصلحة الجماهير بدلالتهم على التحول إلى الله صاحب القدر، وصاحب النفع والضر، ومالك الوجود، والناطق عن علم محيط ، والمتصرف في كل شيء، ﴿الخبء﴾ في الآية : جميع الأشياء، من مطر، ونبات، ومعادن، وما شئت من الغيوب، والقوانين المبثوثة في الكون والوجود.
وفي السموات والأرض طباق استغراق يهدف إلى تقرير حقيقة إحاطة الله المستوعبة بما في الكون كله، سمائه وأرضه، ترابه ومائه،
والجملة الأخيرة ﴿ويعلم ما تخفون وما تعلنون﴾ أو ﴿ويعلم ما يخفون وما يعلنون﴾ توكيد لما قبلها، واحتجاج لما قبلها من جانب، وخطاب إلى البشرية دفعا لتوهم أن معرفتها خارج نطاق مؤسسة العلم بالخبء،
والآية تلوذ في نظمها الختامي – مرة أخرى – بطباق الاستغراق أيضا في (تخفون/ وتعلنون) تحقيقا لكمال علم الله، واستيعاب علم الله.
الآية نص بديع في دعوة الأمة للبحث في القوانين المبثوثة في الوجود، وتحريض إيجابي للأمة لارتياد الأفلاك والعلويات، وتطوير بحوث علم الفلك، وتحريض إيجابي لتطوير بحوث التنقيب، وإنباط المياه، والتوسع في الزراعات، وتطوير بحوث استخراج المعادن وتطوير دراسات هندسة التربة، وهندسة النقل، وهندسة الري وتطرير بحوث الجيولوجيا وعلوم الأرض.
والآية دعوة صريحة لتطوير بحوث الدعوة أيضا، والتوسع في الاستثمار في القوى الناعمة للثقافة الإسلامية عند من يقرأ الآية – مع تقدير الشذوذ – ﴿ألا يسجدو﴾ و ﴿هلا تسجدون﴾ ، لأنها ساعتئذ تكون من كلام الهدهد، وهو ما يعني الدعوة إلى تطوير خطاب دعوي يستلهم بديع صنع الله في الطير، والحيوان والنبات.
الآية نص صريح في ضرورة افتتاح تاريخ جديد لتسويق نموذج معرفي خذله المسلمون طويلا.
شارك :

الدكتور خالد فهمي

درر وجواهر العلماء

قرآنيات

كأن القرآن يتنزل من جديد

كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة)

ما رأيك بالموضوع !

0 تعليق: