خزانة الأديب :
الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة العشرون موسم شهر رمضان 1441 هـ.
يقول رب العزة الكبير المتعال :﴿وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله
وزين لهم الشيطان أعمالهم
فصدهم عن السبيل
فهم لا يهتدون﴾[ سورة النمل 27/24]
هذه آية محفزة جدا لمواجهة طوفانات الانحراف في الوجود. وهى آية من الآيات التي تفتح الباب لتحمِل الأمة على أن تتحمل مسئوليات إنسانية جساما .
الآية مكونة من أربع جمل متماسكة بنمط من الروابط الظاهرة.
الآية في جملتها الأولى ﴿وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله﴾ جملة طويلة، مكوِّن طولها ظاهر من متعلقات الفعل (وجد).
والآية تحذر من تحليل بنية العطف : "وجدتها وقومها" من نمط من التبعية المريضة للجماهير، ساعة تركن إلى سيرة الحاكم، لمجرد أنه حاكم،
والآية تلوذ بتحليل العلامات المادية وهو ما يعيد الاعتبار لأهمية الاعتماد على الدرس السيميائي والعلامي، وتفعيله في ميادين العلوم السياسية والاجتماعية على وجه خاص وبصورة أساسية .
لقد نجح الهدهد في الحكم على دين مملكة سبأ من خلال رصد دقيق للعلامات المادية التي سجلها بصريا واختزنها في ذاكرته.
ذلك أنهم كانوا يسجدون للشمس من دون الله .
والآية في جملتها الثانية ﴿وزين لهم الشيطان أعمالهم﴾- تحذر من سبل تزيين الباطل ، وتزييف الحقائق، وتحذر من بلاغة الكذب وتحذر من بلاغة الافتراء ، وتحذر من بلاغة البهتان، وتفتح الطريق وسيعا أمام تطوير دراسات مواجهة الإلهاء للشعوب وتغييب العقول، والتلاعب بها، وتدعو إلى تطوير سبل مواجهة التأثير النفسي لوسائل التلاعب بالعقول، ووسائل الضغط على الضمائر، ووسائل هندسة الجماهير، وغزو الدماغ.
والآية في ﴿فصدهم عن السبيل﴾ تكشف عن مقياس دقيق للحكم على التزيين المريض، وتعرية ممارسات التزيين المريض، الآية في جملتها : ﴿فصدهم عن السبيل﴾- تفتح الطريق أمام ضرورة تطوير دراسات تفكيك خطاب الشيطان وخطاب تزيين الشيطان ماثل في الانفجار الإعلامي، والسيطرة الإعلامية وتوظيف الصورة، وتوظيف بلاغة الصورة بغير وجه الحق.
والآية تقرر أن تزيين الشيطان مؤسسة عابرة للقارات، ينضوي فيها كثير من الأذرع إعلامية وثقافية، وفنية لا حدود لها، ولا حدود لما تملكه .
الآية في جملتها الأخير﴿فهم لا يهتدون﴾ توكيد للنتائج المرعبة لمؤسسات تزيين الشيطان، وتوكيد لحقيقة الصد عن السبيل، وتوكيد لحقيقة ما سوف يدمر البشرية، إن لم تتدارك البشرية أمرها بمقاومة زينة الشيطان.
الآية تشير إلى نوع طي وحذف يلزم تأويله حماية للإرادة الإنسانية من الإهدار؛ ذلك أن حمل جملة صدهم عن السبيل على ظاهر الأمر من دون تأويل محذوف هو :فخضع الإنسان وقبل من الشيطان غوايته وصده- معناه إسقاط التكليف، وإسقاط مسئولية الإنسان عن الفعل. ومن هنا فإنه يلزم فهم جملة "فصدهم عن السبيل" في ضوء حقائق الكتاب العزيز عن الشيطان، ومنتهى قدراته المحصورة في الدعوة إلى الغواية، وممارسة الوسوسة من دون امتلاك القدرة القاهرة التي تسطو على إرادة الإنسان، أو أن ترغمه على الخضوع!
والآية بعد ذلك كله أصل من أصول الجغرافية السياسية على حد تعبير صاحب التحرير والتنوير الطاهر بن عاشور،ذلك أن الآية تضمنت مع ما قبلها صفة المكان، وصفة الأديان، وصفة الدولة الملكية، ومنتهى تعاظم الثروة والقدرة في أيدي الدولة والحكومة.
والآية نص بديع في الكشف عن دور العقائد والأديان في بناء الدول، وتأسيس الممالك، وترقي العمران .
والآية نص بالغ الدلالة على ضرورة تطوير دراسات جمع المعلومات والوعي بممارسات الشعوب، وتقاليدها، وثقافاتها، وفلكورها وتراثها الشعبي.
والآية دعوة صريحة للتحليل لتأسيس علم التبعية الداخلية، تتوقف طويلا أمام أسباب متابعة الجماهير لملوك والحكام من غير بصر ولا روية، وتتوقف طويلا أمام رصد السيكولوجيات المستجيبة لذلك النمط من التبعية "الوطنية" وآليات صناعتها، وتتوقف طويلا أمام آليات المقاومة السلمية لهذا النمط من التبعيات الداخلية التي تشوه إرادة الإنسان، انطلاقا من دعم دراسات المسئولية الفردية التي قررها القرآن الكريم ساعة قال ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى﴾ وتأسيسا على النهي النبوي الكريم الذي نهى عن أن يكون الإنسان إمعة أو تابعا إن أحسن الحكام أحسن وإن أساءوا أساء !
والآية نص ظاهر في الدعوة إلى تطوير دراسات التصوير وتوظيفه دعويا وحضاريا.
وتدعو إلى العناية بتطوير بحوث بلاغة الصورة البصرية في مجالات التعليم والإعلام والتأثير في الجماهير انتصارا للحق.
وتدعو إلى تطوير دراسات الكشف عن تزييف الصور وتطوير تقنيات منع هذا التزييف حماية للناس والأوطان.
الأية نص جامع في ضرورة حماية الأمن القومي بحزمة من دراسات العمق الاستراتيجي ودراسات التأتي لرفع وعي الجماهير حتى لا تسقط فريسة للتبعيات المختلفة.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: