خزانة الأديب:
كأن القرآن يتنزل من جديد.
(زمان الأزمة /3).
....
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ
وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
هذا موضع عزيز جدا من الكتاب العزيز.
ومرجع ذلك إلى أنه يتنزل الآن.
الآية تحكي قصة نفر من العصاة. تمثل عصيانهم في التحايل على شريعة الله وتجنب طاعة ما أمر به. وقد كان أمره في ميدان الطعام والاقتصاد وحركة الحياة.
ولكن الثابت أن الآية ليست تاريخا للتسلية.
تاريخ ما يورده الكتاب العزيز هو من آيات الأحكام.
الآية تتكلم عن أن نسيان ما أمر الله بتذكره مفض إلى العذاب.
الآية تنبه على أن الإنسانية مأمورة بدوام مذاكرة شريعته. وبدوام حماية شريعته. وبدوام القيام على الإعلام بها. والإعلان عنها. والتعامل مع شأنها على أنها من موضوعات رأس الساعة.
الآية تضعنا أمام ضرورة تعهد الشريعة بما يحفظها من آثار النسيان.
النسيان في الآية عدم تعهد. وعدم مدارسة. وعدم تشغيل في واقع الناس. وعدم تنزيل في النوازل وغير النوازل. وعدم ربط للإنسان به. وعدم اشتغال ببحوثها لخدمة مستقبل الإنسانية. والنسيان تجاوز. والنسيان استهانة. والنسيان تقديم منجز الإنسان على وحي الله. والنسيان تعطيل للوحي. والنسيان شغب على الدين. والنسيان ركون إلى النماذج المعرفية التي خاصمت الله.
والآية ترسم طريق النجاة. وتكشف عنه في مسلك إيجابي يتمثل في مقاومة الباطل. والنهي عن كل معاني النسيان السابقة.
الآية تقرر أن النجاة نتاج فعل إيجابي لخصته في النهي عن السوء. والنهي عن السوء. هو عين السير في اتجاه نسيان ما أمر الله بتذكره. النهي عن السوء انتصار للعلم. والنهي عن السوء انتصار للتزكية. والنهي عن السوء مقاومة الظالمين والعصاة ولو من أدنى طريق. والنهي عن السوء ضبط حركة الحياة والعمل والأطعمة والاقتصاد ووسائل الإنتاج بما أمر الله به. والنهي عن السوء حماية الطاهرين الأتقياء واستعمالهم.
ثم إن الآية تنذر ببيان طريق الهلاك وتقرر أنه ماثل في الظلم. والظلم هنا استيراد نموذج معرفي وإداري غير موافق لوحي السماء.
الذين ظلموا في الآية فجلبوا على أنفسهم الهلاك والعذاب الشديد أداروا حركة الحياة والعمل والاقتصاد على غير مراد الله. الذين ظلموا في الآية لم يستجيبوا لأوامر الله الخاصة بتنظيم المجتمع. وتنظيم حركة العمل. وتنظيم مواعيد حركة الناس. وتنظيم نقل البضائع. وتنظيم حركة توزيع المنتجات.
الآية نص واضح جدا في عدم ضبط حركة المجتمع على وفاق الوحي ينتج العذاب البئيس. والعذاب البئيس :أخذ. والعذاب البئيس شدة. والعذاب البئيس آلام. والعذاب البئيس استئصال. والعذاب البئيس موت أسود وموت أحمر وما شئت من الميتات.
الآية تلح على أن الفسق في الخطاب القرآني متعدد المعنى. الفسق هنا تنظيم لحركة العمل والاقتصاد والإنتاج على غير ما أمر الله به. والفسق هنا تغافل وتجاهل لطبيعة الشخصية القومية التي ميز بها الله تعالى الأمة المسلمة على امتداد التاريخ. ويوشك الفسق هنا أن يكون اتخاذ التقويم غير الإسلامي معيارا حاكما لتنظيم حركة المجتمعات الإسلامية. والفسق هنا يوشك أن يكون اتخاذا للعطلات غير المنبثقة من النموذج المعرفي الإسلامي.
الآية بديعة جدا في تأتيها لهدم النموذج المعرفي الرامي إلى فصل حركة الناس في العمل والاجتماع والعطلة عن رحاب وحي السماء.
الآية تقص القصص رحمة بالأمة.
والآية تقص القصص لترد الأمة إلى تدبير أمر حركة الناس في العمل والإنتاج والترفيه إلى ضوابط الوحي.
والآية نص واضح في الدعوة إلى استنبات نماذج من علوم الإدارة وتنظيم المجتمعات وإدارة وسائل الإنتاج ووسائل النقل على هدي وحي السماء.
الآية الكريمة تعاان بأن الذين تعرضوا للعذاب والاستئصال قديما كان عذابهم بسبب تنكرهم لضوابط حركة الأمة التي جاء بها الوحي.
والآية تعاان بأن مصانع العذاب قائمة لكل الذين لا ينهون عن السوء. ولكل الذين يظلمون. ولكل الذين يفسقون.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: