خزانة الأديب :
☆ الركن الثالث في شخصية العلامة الشيخ/ سعيد صوابي هو ركن العزيمة !
☆ نعم، فقد كان الشيخ-رحمه الله- ذا عزيمة فولاذية، لا تلين لها عريكة، في الحق، والجد، والإقدام، والبذل، وقد عايشتُ بنفسي مواقفَ تليدةً في حياة أستاذنا، أقص عليكم طرفًا منها.
☆ كان لشيخنا أوارده الثابتة؛ من تعاهد القرآن، ومن الذكر المطلق والمقيد، ومن قيام الليل، وكان لا يسمح لأي ظرف أن يثنيه عن هذه الأوراد؛ لا مشاغل عائلية، ولا تكليفات علمية، ولا واجبات أكاديمية، ولا ارتباطات اجتماعية، ولا حتى قلة نوم، أو إجهاد ذهن، أو اعتلال جسد، مهما بلغ به الحال، وقد سمعته مرة يُكمل تلاوة ورده اليومي من القرآن وهو محموم؛ فبكيتُ تأثرًا بحاله مع كتاب الله!
☆ وكان شيخُنا سخيًّا بذّالًا للمال في سبل البر، يقول به ها، وها، وقد عايشته وهو يستلم راتبه في الطائف؛ فيخلو بي، ويبدأ في تقسيمه؛ ليكون السهم الأول والأولى والأكبر لصالح استكمال بناء مسجد ومجمع أبي سعيد الخدري ببولاق الدكرور، ثم سهم شراء أمهات الكتب التي ليست في مكتبته العامرة، ثم سهم راتب مرافقه في الغدو والرواح (وقد كان من عائلة الشيخ، ثم تأتي نفقة البيت في الدرجة الرابعة، واستمر على هذا المنوال طوال سني الإعارة الست، فمن يملك مثل هذه العزيمة، أو حتى طرفًا منها؟!
☆ تم اختيار شيخنا-ضمن ثلة مصطفاة من علماء الحديث على مستوى العالم الإسلامي- لتأليف موسوعة نضرة النعيم، وموضوعها: مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فتفرّغ شيخُنا لهذا العمل المتفرد تمامًا، وأقبل على البحث، والاستماع، وإملاء المادة العلمية، وصياغتها، ومراجعتها، وتدقيقها؛ حرفًا، حرفًا؛ حتى إنه ترك بحوث ترقيته أستاذًا جانبًا؛ حتى أنجز القسم المكلف به من الموسوعة، قبل الوقت المحدد، في حين تأخّر بعض العلماء شهورًا عددًا بعده!
☆ هذه مجرد شذرات من دلائل عزيمة الشيخ الجبارة، ولو تركتُ لذاكرتي العنان في التدوين: لملأت صحفًا مطهرة، فيها مواقف قيمة، وفي الغد بإذن الله نعايش ظلالًا من الركن الرابع في شخصية أستاذنا العلامة؛ وهو الحكمة.
تكملة الذكريات ستتابعونها تباعا على هذا الرابط إن شاء الله
الأستاذ الدكتور محمد علي صالحين
أستاذ مساعد سابق لدى كلية دار العلوم جامعة المنيا
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: