يقول رب العزة الواحد الأحد الفرد الصمد :
إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُۥ فَقَدْ عَلِمْتَهُۥ ۚ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَآ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلْغُيُوبِ.
هذه آية نص تؤسس معرفيا لحقول كثيرة.
الآية نص في ترسيخ تقاليد مواجهة المخاطر التي تهدد الانسانية من اصرخ طريق.
والآية نص في إعادة تنظيم تقاليد المحاكمات وفحص الأدلة الجنائية بمواجهة أطراف القضية وتلاوة الاتهام ومنح المسئول الفرصة للدفاع عما نُسِب إليه من الأقوال.
والآية نص في تجلي الله غضبا وتوبيخا وإعلانا يعظم أمر القول الفظيع.
الآية تعين على استحضار الموقف من حيث نظمها على صورة مشهد جامع يمثل فيه عيسى ليدافع عن نفسه؛ وقد صنع ظرف الزمان :إذ هذا الاستحضار.
وتلوذ الآية الكريمة بنداء عيسى ترسيخا لتقاليد مواجهة المسئول بما نسب إليه وهو الأمر الظاهر في :يا عيسى ابن مريم؛ وفي نداء عيسى منسوبا إلى أمه مريم إسقاط للقول الشنيع ابتداء.
ثم لاذت الآية الكريمة بالاستفهام التوبيخي للكافرين الذين جرى على ألسنهم نسبة الألوهية إلى عيسى وأمه، ثم هي لاذت بالاستفهام الذي يستعظم مادة مضمونه، ثم لاذت باستراتيجية المواجهة من طريق ضمير المخاطب المفرد الصريح مرتين :أأنت قلت للناس.
وجاءت مادة مضمون الاستفهام منبئة عن التكلف والدعوى والتمحل بإستثمار الفعل : اتخذوني بما فيه من التكلف صناعة الأضاليل والباطل.
وأوقعت الآية الفعل على المفعول :إلهين إنعاما في توبيخ قول القائلين واستعظاما للقول نفسه.
وتبلغ الآية الذروة في التوبيخ والاستعظام عندما تردف التصريح السابق بشبه الجملة :من دون الله المستحق وحده للألوهية سبحانه.
وتأمل صوغ السؤال يقف على مدى الفزع الهائل الذي أصاب عيسى عليه السلام.
وهو فزع ناتج ثلاثة مصانع هي
١. النظر الى جلال الله بما هو سائل مرهوب الجناب.
٢. النظر إلى فحوى السؤال المرعب بما انتظمه من وضوح معجمي ومثالية تركيبية ومواجهة صارمة.
٣. النظر لعلم عيسى واصطفائه العائد في مجمل النظر إليه إلى علم الله تعالى المحيط الذي يتفجر في نفس عيسى وينعكس إجلالا لله تعالى.
وكل ذلك نطقت به جملة :سبحانك المؤكدة بحكم الوظيفة النحوية!
و سبحانك في افتتاح الجواب جواب. وسلحانك في افتتاح الجواب ارتقاء لمنزلة مواجهة الله من عبد أخلص العبودة لله وحده. وسبحانك ترجمة لكل معاني الاصطفاء المركوزة في نفس عيسى من أثر صناعة الله له على عينه.
ثم ينفي عيسى الأمر بالكلية بالتعالي المنزه لله في صوغ جواب يأخذ صورة فريدة غير معهودة في جوابات الأسئلة المبدوءة بالهمزة فيقول : مايكون لي؛ وهو جواب تفرضه آداب النبوة وتفرضه آداب الاصطفاء وتفرضه آداب عصمة الأنبياء!
ثم تختتم الآية أمرها برد الأمر إلى الله سبحانه الذي يعلم أنه لم يقل ولكن بصيغة بالغة الرقي والأدب ليس فيها تبجح بالنفي المباشر مما يكشف عن فهم مغزى السؤال ابتداء فيقول: إن كنت قلته فقد علمته، ثم يعزز ذلك فيقول :تعلم ما في نفسي، ثم يسقط دعوى نسبة القول الشنيع إليه بقوله :تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك.
وهذا نمط من ترشيح الجواب بالتفصيل فيه ادراكا لخطر المسألة.
الآية نص بديع في تأتي الكتاب العزيز لحياطة مسألة الإيمان بكل تدابير الصيانة والحماية ومواجهة شغب الجاهلين.
روابط تهمك
- لقراءة سلسلة (كأن القرآن يتنزل من جديد) الجزء الأول هنا
- لقراءة سلسلة (كأن القرآن يتنزل من جديد) زمان الأزمة هنا
- قراءةسلسلة(كأن القرآن يتنزل من جديد) نحو تعزيز الهوية هنا
- لقراءة كل مقالات وكتابات الأستاذ الدكتور خالد فهمي هنا
.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: