خزانة الأديب :
وَفِرَّ من المَجذومِ كما تفِرُّ مِن الأسدِ.
توجيه نبوي شريف الغرض منه النصح والإرشاد وضرورة العناية بالنفس البشرية؛ لما لها من الحرمة العظيمة في الشريعة الإسلامية.
والفرار الهروب من العدوّ ونحوه مما فيه مظنة الخوف والهلاك، والجُذام مَرضٌ عضال من الأمراض الفتاكة يًفسد أعضاء البدن بالتقرّحات والروائح الكريهة وقد يتساقط معه اللّحم وتتآكل بعض الأطراف إذا تأخر علاجه.
ويصعب تشخيصه إلى هذا الزمان؛ لطول فترة حضانته في البدن الحامل له وقد ينتقل هذا المرض إلى الغير بطول الصحبة والمخالطة وعن طريق الرذاذ بالعطس والسُّعال على ما يقول به الحكماء.
وجاء رجل مجذوم في وفد ثقيف ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه صلوات الله عليه (إنّا قد بايعناكَ فارجِعْ) وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم حفاظا على حياة الناس وصوْنا للقلوب من سوء الظن إن أُصيب الغير بذاتِ العِلّة.
وبلاغة التشبيه بالأسد في كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم للتنبيه على خطورة المرض وفظاعته ولأنه يفتك بالمُصاب كما يفتك الأسد بفريسته.
ويقيننا أنّ الأمراض التى تُعدي لا تَنتقلُ إلى الغيْر بخاصية ذاتية فيها كما قال صلى الله عليه وسلم وقد سأله أعرابي فقال يَا رَسول اللَّهِ: فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ - جمالا ونشاطا - فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا؟ فقَالَ صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ" والاستفهام للتعجّب والإنكار.
وهذه حجة عقلية نبوية تشهد بأنّ الأمراض لا تؤثّر بذاتها وإنما تؤثر بتقدير الله ومشيئته وقد يخالط الصحيح المريض دون أن يصيبَ الصحيح أذى والواقع يشهد له.
وهذا لا يمنع من وجوب الأخذ بالأسباب الممكنة في الوقاية من الأمراض الخطيرة سريعة الانتشار كما هو مفهوم من الكلام الأول.
وليس في كلامه صلى الله عليه وسلم ما يدعو إلى النفور من المرضى والمبتلين وعدم رعايتهم وتخفيف معاناتهم وإنما يعني أخذ الحيطة والحذر أثناء مخالطتهم والعمل على عزلِهم في أماكن خاصة تتوفّر لهم فيها سبل العلاج الآمن حفاظا على حياتهم وحياة غيرهم.
ولا يجوز للأطباء ومن في حكمهم أن ينسحبوا من الميدان بحجة العدوى لأنهم المباشرون للمرضى وقد أوكلَ الله إليهم أمرَهم كما أنهم يتعلّمون أسباب العلاج ويعرفون من طرق الأمن والسلامة ما لا يعرفه غيرهم.
وقد أوجبت الشريعة الإسلامية على ولاة الأمر في كل زمان ومكان الحفاظ على حياة الناس والأخذ على أيدى العابثين منهم بسنّ القوانين والتشريعات التي تحفظ عليهم أمنهم وسلامة أبدانهم في غير ضَررٍ ولا ضِرارٍ.
ومن صور القتل العمد التي قد لا يلتفت إليها كثير من الناس في هذا الزمان اغتيال النفوس اغتيالا معنويا بالقهر والإذلال والإهانة والتحقير مما لا يقل أثره وخطورته عن الاغتيال المباشر بالسيف والسكّين.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: