خزانة الأديب :
الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الثلاثون موسم شهر رمضان 1441 هـ..
يقول رب العزة الملك الوهاب :
﴿قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها
وجعلوا أعزة أهلها أذلة
وكذلك يفعلون﴾[ سورة النمل 27/34]
هذه آية مرعبة جدا، وهى آية مزلزلة جدا، وهى تصلح عمادا لتطوير دراسات علم الاحتلال وغزو البلدان.
الآية نهضت على استثمار تقنية المثلث المحكم؛ ذلك أنها تكونت من ثلاث جمل متماسكة محبوكة جدا.
الآية – وهى تواصل حكاية قول ملكة سبأ- في مشاورات أهل إدارة والحكم تبصر المجتمعين بحقيقة مركبة تلخص عمل الاحتلال، وتشرح آثاره، وجناياته على البلدان المحتلة التي يجتاحها.
مفتتح الآية :﴿إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها﴾ تقرر أن أعظم جريمة في الوجود ماثلة في اجتياح البلدان، وغزوها، واحتلالها عمرانها ، وتجريف مواردها، وسرقة ممتلكاتها، وآثارها.
ولأجل ذلك كله كان الغرب أكير مجرم في التاريخ على حد تعبير روجيه جارودي في كتابه وعود الإسلام في الصفحة الثانية عشرة.
مفتتح الآية يقرر أن الاحتلال ضد العمران، وضد الحضارة، وضد مقاصد الأديان ، وضد الله!
والآية في جملتها الثانية المعطوفة على الأولى: ﴿وجعلوا أعزة أهلها أذلة ﴾: استيعاب لبقية آثار جنايات الغزو والاحتلال التي تمثل الخطر الأكبر، والأعظم في فحص آثار الغزو والاحتلال؛ ذلك أن الاحتلال يعني قهر الأحرار، ويعني استرقاق الأحرار، ويعني إهانة الكرامة، وإسقاط النفس وتدمير الوجدان، والسطو على ممتلكات الناس، والعصف بالمكانة الاجتماعية لهم، وإذلال الشرفاء، والاعتداء على الحرمات، والأعراض، والمقدسات التي هى عقل الناس وضمائرهم، وتهجير الناس ، وإجلاؤهم، وطردهم، وتشريدهم في الآفاق .
والآية في ضلع مثلثها الأخير (وكذلك يفعلون) :نص في صدق ما مر من بيان ملكة سبأ، إن من طريق الخبرة التاريخية، وإن من طريق الخبرة الاحتلالية على مدى الأزمان، إن كان الكلام حكاية قول هذه الملكة، وإن من طريق الوحي إن كانت الجملة من حكاية قول الله تعالى تصديقا لخبرة هؤلاء في شئون الحياة والحكم.
الآية نص مزلزل يجب على الأمة أن تنتبه لما تضمنته من حقائق ودروس.
والآية نص في بيان خطر القهر، ونص في ذم الحروب، ونص في إعلان العار على الاحتلال والغزو واجتياح البلدان، وهلكة الشعوب، وتخريب العمران.
والآية نص بديع في مديح الحرية، ونص بديع في مديح تحرير الأوطان، وصيانة الأوطان، وتكريم الأوطان.
والآية في ضرورة التوسع في حيازة مصادر المعرفة، وضرورة الاعتماد على التجارب التاريخية في التخطيط الاستراتيجي في الأمة، والآية دعوة بالغة العناية بدراسات الاحتلال، وسيكولوجيات الدول الغازية، ودراسة آثار القهر المادي والمعنوي على الشعوب من جراء الاحتلال والغزو.
الآية نص في ضرورة العناية بنظرية المعرفة، والتأسيس لهيمنة الوحي على كل مصادر المعرفة الوضعية بصورة عملية تطبيقية، ودعوة إلى ضرورة التوسع في دراسة أسباب سقوط الأمم في الكتاب العزيز والتنبه لتجنب هذه الأسباب في واقع الأمة الراهن، ومستقبلها القريب والبعيد.
والآية أمر واجب بكل دلالات الوجوب الملزمة للعمل على تحرير كل الوطن، من أي محتل غازٍ.
والآية نص بديع يعالن بأن تراجع دراسات الأمن القومي، وحماية الحدود، وصيانتها وحراسة الأوطان واليقظة في بناء العلاقات الخارجية يعد خيانة للأمة والوطن، ويعد بداية الطريق سقوط الأمة وتسلط عدوها عليها، وبداية لسقوط الكرامة الوطنية، وإذلال أبناء الأمة، وضياع مقدراتها وممتلكاتها، الآية كتاب عظيم في وصم الاستعمار والاحتلال والغزو ووصم الأمم التي لا تأخذ كل أشكال الاستعداد لمواجهة الغزو والاحتلال .
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: