خزانة الأديب :
الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الحادية والثلاثون (حلقة ليلة العيد) موسم شهر رمضان 1441 هـ..
يقول رب العزة الغني الوهاب :
﴿وأني مرسلة إليهم بهدية
فناظرة بم يرجع المرسلون﴾ [ سورة النمل27/35]
هذه آية معلم بامتياز.
وهى آية في خبرة إدار العلاقات الخارجية الواجب توافرها لدى أهل الاشتغال بإدارة الحكم في الأمة.
الآية تسير في خطين متعاقبين يثيران الدهشة من هذا المستوى الراقي العجيب الذي وصلت إليه علوم السياسة والحكم وإدارة العلاقات الخارجية في العالم القديم.
جزء الآية الأول :﴿وإني مرسلة إليهم بهدية﴾ مكون من جملة اسمية منزوعة القرائن الزمنية ، تكشف عن مستوى مرعب من الحسم في ميدان اتخاذ القرار، والعزيمة عليه وعدم التردد فيه، والتصميم على إمضائه، والوعي بما يلزم القيام به من خطوات في اتجاه بناء العلاقات الخارجية مع الدول والكيانات التي تهدد الدولة والأمة، وتقطع الطريق على أي محاولة للرجوع أو النكوص أو الضعف.
وجملة الآية الأولى درس في الدبلوماسية الحذرة التي تلوذ باختبار الأنظمة الخارجية من طريق ذكية جدا، هى طريق المنح والهدايا، لقياس ما لدى تلك الأنظمة من درجات الغنى والقوة؛ تمهيدا للتحرك الاستراتيجي ضدها.
الآية في جملتها الأولى دالة على أن العلاقات الخارجية الضامنة لحماية مقدرات الأمم والأوطان يلزم معها نوع ترق، وتقدم مادي، وهو بعض ما تتحرك به المفردة ﴿هدية﴾ التي وردت بالتنكير للدلالة على العظمة، والثراء والفخامة.
والآية في جملتها الأولى نص في ضرورة احتياز الخبرة في بناء العلاقات الدولية على استراتيجيات المناورة عند تعدد الاحتمالات.
والآية وهى تدلف إلى الختام بجملة: ﴿فناظرة بم يرجع المرسلون﴾ نص في توظيف الهدايا في قياس قوة الدول الخصوم، واستراتيجية في اختبار نوع الحكم في دول الخصوم، يتحدد على ضوء نتائجه اتخاذ القرارات المختصة بشكل العلاقات مع الدول الأخرى.
الآية تقرر في جزئها الأخير أن العالم القديم في ممالكه القوية كان يتمتع بقدر موفور من التحليل السياسي لقوى الخصوم، على خلفية رصد دقيق لردود الأفعال ، وعلى خلفية اختبار أهل الحكم والسياسة في دول الجوار، من طريق قياس قدراتهم على التمييز، وقراءة الرسائل المستترة وراء الهدايا والمنح وما أشبههما .
الآية في جزئها الأول مرة أخرى تقرر أن التقدم الصناعي والتقني الذي يسكن بنية الهدية المرسلة، إن كانت مشغولات ذهبية أو كانت منتجات مركبات من جواهر وحرير، أو كانت ما شئت مما وراء ذلك مما يهدى من الممالك إلى الممالك- هو من أظهر وسائل الحروب النفسية بين الدول والأمم، ومن أظهر وسائل الضغط على الأنظمة في علاقات الدول.
الآية بجزئيها نص في ضرورة عناية الأمة ببحوث حقل إدارة الصراع، وببحوث الحروب النفسية بين الدول والأمم، ونص في ضرورة حيازة السيناريوهات المتنوعة في إدارة الصراع وسبل التفاوض الدولي على القضايا محل النزاع ، أو محل الاتفاق المشترك.
الآية نص واضح جدا في أهمية العناية بعلم النفس السياسي ، وبعلم نفس العلاقات الدولية.
والآية نص في ضرورة مراقبة المنح والهدايا الخارجية والتفكير بصور متنوعة في الإعلان المترتب على قبولها من عدمه، وضرورة التنبه إلى رد هذه الهدايا إلى خزينة الدولة لتكون ملكا للأمة قطعا للطريق على الإضرار بمصالح الأمة القومية ، وإغلاقا لباب الرشوة من جذوره، وما يترتب عليه من انزلاق نفر إلى موالاة العدو أو الخصوم على أثر الوقوع في فخ تأثير الهدايا والمنح النفسي على قراراتهم.
والآية في مجملها نص يشير إلى ضرورة تعزيز سياسات الانتماء لسكان المناطق الحدودية بصورة أساسية في بلدان الأمة المسلمة.
الآية درس بالغ الخطر، يدعو الأمة إلى أن تتفوق في ميادين مواجهة استراتيجيات الدبلوماسية المتنوعة في العلاقات الخارجية .
والآية تدعو إلى العناية البالغة بتطوير التطبيقات الصناعية والفنية والتقنية لدعم مراكز اتخاذ القرار في الأمة، والضغط على الدول المنافسة بما يسمى أحيانا بحيازة القوة الناعمة التي تسهم في صناعة إخضاع الدول المنافسة، في ميادين إدارة العلاقات أو الصراعات الخارجية.
وهذه الطريق ربما تكون سبيلا عبقرية لحل كثير من الأزمات الوجودية الراهنة في الأمة المسلمة التي تمددت أوصالها.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: