خزانة الأديب :
الدكتور خالد فهمي يكتب : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) الحلقة الثامنة والعشرون موسم شهر رمضان 1441 هـ..
يقول رب العزة الحكيم الخبير
﴿قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري
ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون﴾ [ سورة النمل27/32]
هذه آية من الآيات الكاشفة عن أسرار ترقي الأمم، ونهوض الممالك والبلدان.
وهى آية من آيات سياسة الحكم الرشيد بامتياز.
الآية استمرار لحكاية تفصيلات الاجتماع السيادي لمواجهة المسألة الخطيرة التي تهجم على الأنظمة والحكومات والدول.
والآية نص تشريعي ضابط في مجال إدارة الحكم وسياسة المؤسسات وإن كانت حكاية عن موقف قديم وارد في سياق قصة العلاقات بين مملكة سليمان ومملكة سبأ، ينبغي استلهامها في الوقت الراهن، لأن الأمة في حاجة ماسة إليها، ولأن سليمان من أجداد الأمة المسلمة شأنه شأن كل الأنبياء على الزمان، بدليل تأسيس الإيمان الإسلامي على وجوب الإيمان بكل الأنبياء، وتقدير كل مواريث كل الأنبياء.
الآية في مفتتحها نص في ضرورة استقرار إجراءات دعوة المؤسسات عند هجوم المخاطر التي تستوجب الاجتماع لمواجهتها، سواء كانت تلك الدعوة إلى الانعقاد عادية، أو استثنائية،
وهذا النداء داع إلى ضرورة تنظيم مثل هذه الإجراءات، وتنظيمها في الظروف العادية، وفي الظروف الطارئة على السواء.
وفي نداء الملأ ودعوته للاجتماع والانعقاد لمواجهة ما يعرض للدول من مخاطر إشارة مهمة إلى ضرورة مراجعة قوانين الترشيح للتمثيل في المجالس النيابية على قاعدة تطبيق "الشرف" بمفهومه الأخلاقي والاجتماعي والوطني؛ ذلك أن الملأ : هم أشراف القوم،
"والشرف الوطني" مفهوم بالغ الأهمية يلزم ضبطه، وتحويله إلى إجراءات وشروط منضبطة، من جهات عدة تحيط بالعَلَم، والمنزلة الاجتماعية ، والامتلاء النفسي والأخلاقي، وما شئت من الشروط التي تضمن القيام بواجب خدمة الأمة من خلال التمثيل النيابي في المجالس المختلفة في الدولة.
ويأتي الأمر بالفعل (أفتوني) وهو مركز الآية الدلالي لينبه الأمة في كل عصورها إلى أهمية العناية بأقسام الفتوى والتشريع في النظام القضائي في الأمة، ولينبه الأمة إلى ضرورة تطوير أقسام الفتوى والتشريع في نظام إدارة الدولة، وتطوير تعدد مستوياته، وتدرجها،
الأمر في (أفتوني) ينتقل بنا إلى ضرورة تأسيس مجالس جامعة للفتوى ، وتوشك أن تؤخر رتبة الفتوى الفردية، وتوشك أن تدعم عمل أقسام الخبراء في الوزارات المختلفة بوصفها نمطا من لجان الفتوى التي تعزز ترشيد الحكم في الأمة المسلمة.
والأمر في: أفتوني؛ يشير إلى ضرورة العناية بتنظيم نقابات جامعة لكل قطاع من قطاعات العلم والعمل في الأمة، وإلى نوع عناية بالعمل وفق منظور" فرق العمل " ،و تشجيع الفتوى الجماعية.
وتأتي جملة ختام الأية (ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون)
لتقرر أن الشورى هى أهم ضمانات الترقي، والنهوض والتقدم، ولتقرر أن الحكم الرشيد يفزع إلى الشورى بوصفها نظاما ثابتا، واستراتيجية مستقرة في إدارة الحكم والحياة، ويوشك هذا الختام أن يتهم تلك الأنظمة التي تهوش باستعمال الشورى، واللجوء إلى المؤسسات عندما ترغب في تمرير شيء باسم الشعب أو باسم الجماهير.
ثمة فارق كبير بين دعوة فرعون جماهير شعبه إلى المشاورة في مواجهة موسى ودعوته، وبين دعوة ملكة سبأ جماهير شعبها وأهل الحل والعقد في مملكتها لمواجهة مخاطر مملكة سليمان على حدود بلادها!
وختام الآية نص بالغ الوضوح في أن نهوض الأمم مرهون بتداول الرأي، وتشجيع الحوار المجتمعي، والمؤسسي والنيابي بطريقة مستقرة، وآلية منتظمة.
والآية نص بديع في الأمر بضرورة تنظيم إجراءات توثيق قرارات الاجتماعات ، والإشهاد عليها.
والآية نص بديع في ترسيخ أصل المشاورة، وتعزيز سياسات الحوار في المجتمع والمؤسسات ومراكز اتخاذ القرار .
الآية إعلان بديع يقرر أن تعزيز سياسات حماية الأمن القومي، وحماية حدود الأوطان من المخاطر والعدو يبدأ من الداخل، يبدأ من تعزيز سياسات الإدارة والحكم على قواعد الشورى والحوار واحترام الكفاءات وأهل الاختصاص في الأمة.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: