الأستاذ الدكتور خالد فهمي : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة) ٥

شارك :
كأن القرآن يتنزل من جديد
(زمان الأزمة /5)
.....
  يقول رب العزة الرزاق ذو القوة المتين :
( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.
إنما نطعمكم لوجه الله
لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)
هذا موضع عجيب من الكتاب العزيز.
 وهو موضع حري به أن يؤسس لعلم مستقل على هدي الاسم الجليل للسورة الكريمة التي احتضنته ألا وهي سورة؛ ( الإنسان).
الموضع في هذه السورة يتجاوز كل أشكال العنصرية المقيتة التي خلقها توحش البشر المعزولون عن التأنس بالوحي.
الآية تعرّف الناس الأبرار بما يصدر عنهم ويصف مسلكهم في حركة الحياة بأنهم ( يطعمون الطعام) واستعمال الفعل المضارع مولد لمعاني التجدد. ومولد لمعاني الاستمرار. فضلا عما يشيعه من جماليات صوتية بسبب الجناس وتكرار الأصوات.
ثم إن هذا الفعل متصل بمعاني الرعاية وتربب الخلق وحسن التأسي بالله تعالى الذي تفضل  على خلقه فأطعمهم من جوع مدة الزمان الطويل قبل أن يدعوهم إلى عبادته والتحرك على هدي تكاليف وحيه الخاتم في حركة الحياة .
و إطعام الطعام إحياء. ودعوة لاستثمار الأرض والسماء.
ودعوة للتفنن في الزراعات وصناعات الأغذية وترقية فنون إدارة الموارد وتخزينها وتعظيم الإفادة منها. ودعوة إلى إعادة تنظيم المجتمعات من منظور تراحمي جديد.
والآية دعوة لمراجعة قوانين الاستثمار في بلدان الإسلام.
الآية في مفتتح أمرها تأخذ بقلب الإنسان وتتلطف في الوصول إلى قلبه من أصرح طريق وأمسه رحما به ألا وهو الطعام.
والآية ترقى برتبة الإطعام من باب إعلاء منزلته عندما توسع خرائط بذله بقيد (على حبه).
وهو القيد الذي يقرر بذل الطعام مع اشتهائه وربما عند قلته.
ثم إن الآية تستوعب مجالات بذل الطعام لكل العالم وهو ما نراه في استيعابها مناطق الضعف الإنساني كلها.
الآية تقرر بذل الطعام للمسكين. وهم الذين لا يجدون. والذين يجدون ثم هو لا يكفيهم لمواجهة البقاء.
والآية تقرر بذل الطعام لليتيم وهم الذين لا راعي لهم ولا معين لهم ولا عائل لهم ولا قدرة لهم على العمل والكسب.
والآية تقرر بذل الطعام للأسير وهم الذين وقعوا في الحبس وقد جاءوا محاربين. أوهم الذين استحقوا الحبس بحق.
الآية في القطاعات  تأمر ببذل الطعام لهم من طريق الإخبار بمحامد صفات الأبرار تؤسس لأظهر محددات ما يمكن أن ينهض بالسلم العالمي والسلم المجتمعي.
الآية تؤسس لإعادة التفكير والتخطيط والعمل من أجل  استنقاذ الفقراء و وتوفير أسباب البقاء لهم.
والآية تؤسس لمراجعة برامج التضامن الاجتماعي لمن لا عائل لهم ولمن فقدوا الراعي والمعين.
والآية تؤسس لمراجعة برامج التعامل مع السجناء
والآية تسقط في صياغة دستورها الإنساني كل الشروط والقيود عندما تمتدح فعل الإطعام الصادر عن الأبرار بقيد كونه (لوجه الله) وأنه بذل (لا) يريدون من ورائه ممن يبذلونه لهم (جزاء ولا شكورا).
الآية اتهام فاضح لممارسات استغلال الخلق في أي وقت. والآية اتهام للأمة حين تقسو على مناطق الضعف فلا تبذل لها الطعام. والآية تتنكر  لقطاعات الناس حين تسير في أبنائها مسلك اللئام فتضيق سبل الحصول على الطعام. الآية تأمر بمراجعة برامج التموين من أجل توفير الطعام ومن أجل تيسير الطعام.
والآية توشك أن  تعالن بأن الخطأ في باب بذل الطعام وتيسيره هو خطأ معدود في مكارم الدول والحكومات. وتوشك أن تقرر أن التضييق على الناس في باب الحصول على الطعام يدخل الدول والحكومات في ما هو من فعل اللئام او الفجار.
الآية نص بديع جدا في أوقات السلم والرخاء. وهي نص بديع جدا في أوقات البؤس والشقاء.
ومرجع علوه في الحالين جميعا أنه يرعى الرحمة ببني الإنسان ويعطف على بني الإنسان ويسعى إلى حمايته وسعادته بالدعوة إلى بذل الطعام الذي هو مادة بقاء الإنسان والذي هو مادة سعادة الإنسان!
أ.د. خالد فهمي
شارك :

الدكتور خالد فهمي

درر وجواهر العلماء

قرآنيات

كأن القرآن يتنزل من جديد

كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة)

ما رأيك بالموضوع !

0 تعليق: