كأن القرآن يتنزل من جديد
(1441 هـ = 2020م)
زمان الأزمة 3
......
يقول رب العزة سبحانه: {إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍهذه آية عجيبة جدًّا، وسر العجب فيها أنها مدخل عبقري لمعالجة نمط من الأزمات، ومدخل عبقري لإدارة المراحل الانتقالية في حياة الأفراد والمجتمعات.
أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [سورة النمل: 7].
الآية بدءًا من (إذ قال) تفتح الطريق للتعامل مع الكتاب العزيز بوصفه مصنعًا للحضارة، وتعيد دعم دراسة التاريخ والآثار واستلهامهما في التخطيط للحياة المعاصرة.
وتدل على أن كل غائب أو مهاجر سيعود. (وأن هذه العودة يلزمها برنامج لإدارة مرحلة العودة).
والآية توشك أن تأمر بوجوب تذكر تاريخ الأمة، وتوشك أن تأمر بوجوب التخطيط للمستقبل على هدي ذكريات التاريخ.
{إذ} في الآية الكريمة عنوان جامع على فريضة الذكرى ووجوب المراجعة وتذكر منجز الآباء الكرام .
وجاء بيان المخاطب في {لأهله} ليفتح الباب وسيعًا أمام مراجعة العلاقات في داخل الأسرة المسلمة.
بيان المخاطب يشير إلى أن ركني الأسرة شركاء في تحمل المخاطر، وشركاء في صناعة الحياة، وشركاء في صناعة المستقبل، وبيان المخاطب في الآية يشير إلى أهمية الحوار، ويفتح الطريق إلى ضرورة مقاومة الخرس الزوجي الذي يصيب بيوتنا بعد فترة من الوهج العاطفي.
وجزء الآية: { إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} نص في ضرورة تأسيس برامج علمية تعتمد على البصر بالظواهر، وفحص الظواهر، وتحسس الظواهر والتنبه الواعي للظواهر من حولنا؛ ذلك أن الإيناس: رؤية، والإيناس: تحسس، والإيناس: وعي مدعوم بدليل الملاحظة، والإيناس: تنبه لما حولنا، والإيناس: تفقد ما حولنا.
ثم إن الآية تفتح الطريق للاستثمار في الطاقة من كل وجوهها، وتدعو إلى استثمار ظواهر الطبيعة، وتنمية مواردها، وتشير إلى الاستثمار في الطاقات المتولدة من ظواهر الوجود المادي بوصفها طاقة جبارة، وطاقة نظيفة، وطاقة موفِّرة من المنظور الاقتصادي.
والآية في نزوعها للختام تشير إلى أمرين جامعين في رحلة البناء والتأسيس الجديد هما:
أولًا: أساس العلم {سآتيكم منها بخبر}.
ثانيًا: أساس العمل والحضارة المادية {وآتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون}.
الآية تجعل من المروءة ميزانًا للحكم على الرجولة، وذلك أن الرجل في رحلة الحياة ضامن لتوفير (العلم لأهله) وضامن لتوفير (الرفاهية) لأهله، وضامن لتوفير (الحماية لأهله) الآية بموجب التفسير القرآن بالقرآن نأى بأهله عن "مواطن النار"؛ إذ أمرهم بـ (امكثو) وذهب هو لمواجهة أعباء طلب العلم، وطلب محددات الرفاهية، وطلب الدفء، وذهب لمواجهة ما عساه يكون من مخاطر تحيط بالنار التي آنسها.
الآية نص عبقري في بيان المروءات التي تفرض على الرجولة النهوض بها. والآية نص عبقري فيما تهدي إليه من ضرورات المراحل الصعبة، وفيما تهدي إليه من أولويات مراحل البناء والتأسيس. والآية نص عبقري يقرر أن مواجهة الأزمات يلزمه:
الحب الذي توفره مؤسسة الأسرة.
والعلم الذي ينير الطريق للأمة.
والعمل الحضاري المادي الذي ينتشل الأمة من فقرها وتبعيتها، ويؤسس لاستقلالها، ولا يتنكر لمطالب رفاهية أبنائها.
والآية بعد ذلك كله قادرة على أن تحقق لمجتمعاتنا كثيرًا من وجوه النهضة الحضارية في الإنارة، وتمهيد الطرق، واستثمار الطاقة.
=================
الأستاذ الدكتور خالد فهمي
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: