بقلم الدكتور عزمي عبد البديع
خزانة الأديب:
يقول الله _ عز وجل _ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا.
سورة الشمس هي سورة التجليات والآيات الباهرات تلكم الآيات البينات التي تأخذ بيد الإنسانية في لُطف ولين إلى التعريف بالخالق العظيم سبحانه.
أقسم الله تعالى فيها بجملة من الأقسام النورانية وما أقسم الله تعالى بشيء من خلْقه إلا لما فيه من شواهد الحكمة الدالة بوجوده وعظمته والتي يهتدي إليها العقلاء والعلماء والمفكرون.
ومن جملة أقسام السورة الكريمة كان القسَم بالنفس الإنسانية وتسويتها والمراد بالنفس هنا جملة الإنسان في مادته وروحه وطلاقة القدرة الإلهية في التسوية الصحيحة الملائمة لطبيعة الحياة كي يمارس فيها كل مخلوق نشاطه بسلاسة وانسجام.
هذه النفس البشرية أبدعها الله تعالى في أحسن تقويم وقد زينها بالعقل والهداية والتمييز الذي صار به الإنسان مخلوقا شريفا فضّله ربه على سائر المخلوقات فاستحق من أجل ذلك التكريم ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر.
وفي الكون والأنفس والآفاق من الآيات ما يجعل النفوس مشدودة إلى الخالق سبحانه تهتدي إلى الإيمان به والتصديق بوجوده وحكمته وإلى الإيمان باليوم الآخر والبعث والنشور فأقسم علت كلمته بالشمس والقمر وبالنهار والليل وبالسماء والأرض وكلها آيات كونية صامتة تتكلم عن الخالق بلسان الحال لا بلسان المقال وتشهد على آثار رحمته سبحانه وتدل على أنه الله الواحد الفرد الصمد.
فإن قلت : لِمَ جاء القسم بالنفس وتسويتها في نسق هذه الآيات الكونية الضخمة الهائلة قلتُ في ذلك دلالات بينات وإشارات واضحات على أن الإنسان مرتبط في وجوده وحركته ومعاشه بها كما أن الإعجاز في آية خلق النفس هو نفسه الإعجاز في آيات الكون بل إنّ آية النفس أجلّ وأعظم.
آية النفس فيها إبداع الخالق في الهيئة والصورة بالتسوية والتعديل والتناسق والتناغم وفيها إبداع الروح التي تسكن البدن بالمشاعر والعواطف والشوق والأمل والسعادة والحب والرضا واليقين ونقيض كل هذه الأشياء ويرتفع شأن هذه النفس حين تهتدي إلى طريق الحق والعدل والخير والرشاد.
هذه النفس أودع الله فيها خصائص الفطرة السوية والهداية الطبيعية للحق والقيم الفاضلة لكنها مع كل هذا في حاجة إلى التهذيب الدائم والتزكية المستمرة بالتربية والتعليم والتقويم ولا ينبغي أن تُترك عبثا أو نهبا للفساد والمفسدين.
النفس الإنسانية عزيزة على بارئها لذلك أقسم بها كما أقسم بغيرها من الآيات وإنّ الجرائم التي تُرتكب في حق النفوس البشرية بالتسلّط والظلم والطغيان والجبروت والقهر سيكون الحساب عليها يوم القيامة عسيرا لن يفلت من المساءلة أحد ولا ينجو من وطأة السؤال إنسان حين ينادي المنادي وقفوهم إنهم مسؤولون!
مسؤولون عن كل شيء فعلوه من العماية والغواية عن الصغير والكبير والفتيل والقطمير عن التشريد والقتل والإرهاب وعن الخلاف والفُرقة والضياع وعن البكاء والصراخ والآلام وعن الانكسار والذلّ والخنوع والخضوع والقهر والظمأ والتجوبع وعن الجهل والتخلف والظلام والاعتلال والأمراض والأسقام.
إنّ النفس الإنسانية شرّفها الله تعالى فأقسم بها وبتسويتها في أحسن تقويم فلا تًلوّثوا فطرتها ولا تُعكّروا صفوها بإثارة الشبهات وإشاعة الفواحش ما ظهر منها وما بطن هذه النفس تستحق منكم العناية والاهتمام وإقامتها على الجادة والأخذ بيدها إلى طريق الوحى والهدى والحق والنور.
________________
روابط تهمك
- لقراءة مقالات الدكتور عزمي عبد البديع اضغط هنا
- لقراءة سلسلة مقالات في ظلال رسالة الإمام الخطّابي الموسومة بـ(بيان إعجاز القرآن) اضغط هنا
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: