الدكتور حسام الشحات : نظرات فى لغة القرآن ( الحلقة الثالثة ) المقدمة 3

شارك :

كيف جاءت الفكرة؟

كنت في الثلاثين من عمري عندما بدأت محاولتي الجادة الحقيقية لحفظ كتاب الله، نعم قبل ذلك كنت أحفظ بعض سور القرآن الكريم حفظاً جيداً (ولله الفضل والمنة) وكلما جاء شهر رمضان من كل عام كنت أزيد من حفظي بسورة جديدة من الطوال وأظل أراجعها مع ما حفظت قبلها طوال العام حتى يأتي رمضان جديد، وهكذا ظللت على هذا الحال حتى أتممت الحفظ في ستة أعوام والحمد لله , ولكن كنت أجد في المراجعة بعد ذلك بعض الأخطاء والنسيان وما يعتري من يحفظ كبيراً في السن من أمثالي فلا شك أن الحفظ وكثرة المراجعة في الصغر قبل الانشغال بأعباء الحياة يكون أيسر كثيراً وأقل عرضةً للنسيان, ولذلك أردت أن أثبت الحفظ بأن أضع لنفسي علامات في كل سورة تذكرني بالاختلافات بين ما تشابه عليّ من آياتها وما يتشابه من سور أخرى قد تحمل في بعض آياتها ألفاظاً أو عبارات قريبةً منها، وهكذا حتى تجمع عندي من هذه المقارنات رصيد؛ فوجئت بأنه يملأ مجلداً ضخماً ولما راجعته على مهل أيقنت من حقيقة جديدة حول لغة القرآن الكريم وهي حقيقة على بساطتها مدهشة مذهلة : إن كل سورة في كتاب الله تنفرد على مستوى الألفاظ بكلمة أو كلمات لم تُذكر أبداً في سورة أخرى! ووثقت هذا الأمر إحصائياً، ففوجئت بأن تلك الفئة من الكلمات تبلغ أكثر من سبعة آلاف كلمة؛ أي نحو عشرة بالمائة من مجموع كلمات القرآن! وانتهيت من هذا البحث في عام 1426 هجري 2006 ميلادي ولكني بعد ذلك زدت فوجدت أن كل سورة في بناء القرآن الشامخ تتميز كذلك عن بقية السور بأسلوب خاص متفرد وتركيبات لغوية تتناسق جميعاً لتصنع جواً يميز السورة ويعطيها بحق (شخصيتها) المستقلة!!


نعم أنهيت جل عملي في هذا البحث قبل نحو عشر سنوات ثم ترددت كثيراً في نشره؛ كنت أقول لنفسي: وماذا تزيد أنت في معرفة الناس بالقرآن إذا نشرت مثل هذا البحث؟ أتريد أن تقول إن القرآن معجز؟ يعلم القاصي والداني أن القرآن معجزة المعجزات المتفردة وآية الآيات الخالدة، أتريد أن تلفت أنظار الناس إلى حقيقة قرآنية جديدة؟ وماذا يفيد الناس أن تدلهم على ذلك مع سابق علمهم بل ويقينهم أنه كتاب الله تعالى الذي لا تنقضي عجائبه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يخلق على كثرة الرد، لكن تلك الأعوام لم تضِع هباءً بل حاولت خلالها أن أدرس بعض العلوم الشرعية دراسةً نظاميةً أكاديمية وخاصةً علم التفسير، وبفضل الله تعالى درست التفسير – الموضوعي والتحليلي – ومناهج المفسرين ودرست كذلك علوم القرآن والبلاغة والنحو ومصطلح الحديث وزدت فقرأت كثيراً في كتب التفسير والبلاغة وما زلت أحبو لم أبلغ الشاطئ فكيف باللآلئ في قاع المحيط الزاخر !!!


ثم قررت أخيراً أن أتوكل على الله وأنشر بحثي هذا خشية أن أكون كتمت علماً، ولعله يكون عوناً للقراء على فهم القرآن وتدبره أو لعله يصبح المادة الخام لعلم جديد من علوم القرآن يربط بين ما تنفرد أو تتميز به كل سورة من كلمات وتركيبات وجمل وبين مقاصد كل سورة ومواضيعها الرئيسية أو لعل أحد الصالحين يقرأه فيخصني بدعوة بظهر الغيب ينالني خيرها فأكون من الفائزين


فإلى مادة الكتاب .... والله المستعان


اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي


القرآن الكريم ( نظرة طائر) :


أخذني القرآن أخذاً حتى صرت لا أرى ولا أسمع - بحقٍ - غيره....وكيف لا وهو كلام الله !!!

حيرتني روعة البدء ب(الفاتحة) أعظم سورة - كأنها المقدمة المختصرة الجامعة لكل ما بعدها 

وبهرني تفصيل منهج الاستخلاف في الأرض وبيان أقسام الناس في (البقرة) 

وتثبيت ذلك المنهج وتأكيد أن الدين عند الله الإسلام وتربيته للمؤمنين في حال الانكسار في (آل عمران) 

وتوصيته بالعدل وحنانه على المستضعفين وإعجاز التشريع الرباني في (النساء)

وتشديده على الوفاء بالعهود والحكم بما أنزل الله والرد على العقائد الفاسدة في (المائدة)  

وحجته البالغة في محاجة المشركين بالتفصيل في (الأنعام) 

واختصاره العجيب في تفاصيل قصص (الأعراف) 

وتربيته للمؤمنين في حالة نصرهم في (الأنفال) 

وبراءته من المشركين والمنافقين في (التوبة) 

وسياق تثبيته للعقيدة والحق في (يونس) 

واستعماله للقصص للتثبيت والاعتبار في (هود) 

وقضيت مع سورة (يوسف) أروع أوقاتي أتأمل أحسن القصص وأستشعر الوعد بالتمكين بعد الابتلاء 

وسبحت بحمد الله تعالى مع (الرعد) في سورته 

وتأملت نعمته بإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذنه في (إبراهيم) 

وتوكيد حفظ الله سبحانه وتعالى لمنهجه في (الحِجر) 

ومَنَّه بألوان نعمته التي لا تحصى في (النحل) 

وبيانه لقدر هذا القرآن المعجز الكريم في (الإسراء) 

ورحمته المستترة عنا بخافي لطفه في كل وقت في (الكهف) 

ولغته الحانية بالغة الرحمة في (مريم) 


شارك :

الدكتور حسام الشحات

درر وجواهر العلماء

مقالات في الإعجاز القرآني

مقالات في تفسير الآيات

نظرات في لغة لقرآن

ما رأيك بالموضوع !

0 تعليق: