كأن القرآن يتنزل من جديد
1441هـ=2020م
زمان الأزمة(6).
....
يقول العزيز الحكيم :﴿ وألق عصاك
فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب
يا موسى لا تخف
إني لا يخاف لدي المرسلون﴾[ سورة النمل 27/10]
هذه آية عجيبة جدًّا.
وهى آية من عيون آي الإعداد للمهمات الجليلة في الحياة.
الآية في التحليل التركيبي متصلة بجملة بورك من في النار، وآلة الاتصال هى الواو في ﴿وألق عصاك﴾
والآية دليل على ضرورة إقامة الدليل من المكلِّف للمكلَّف بأنه يراه، ويهيمن عليه، وآية ذلك كامنة في ذلك الأمر الصادر ممن يرى ويعلم ويحيط علمه بالوجود سبحانه.
﴿وألق عصاك ﴾أمر متوجِّه لإيناس موسى بعد إذ رأى النار، وسمع النداء بتحقق المباركة له ولمن معه ولما حوله!
وفي الآية بعد الأمر الذي هدف إلى إيناس موسى نوع طي وحذف نهض ببيانه نص ﴿فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ﴾أي : أن موسى استجاب وامتثل وألقى عصاه.
وقضية اهتزاز العصا، وانقلابها إلى ما يشبه الجان، وما نتج عن ذلك من التولي والإدبار وعدم التعقيب_ مقصود بها التمهيد للأمر العظيم القادم في لا تخف.
الآية الجليلة تعيد التذكير بضرورة دراسة قوانين الحركة ، والعلاقات بين المواد، وتفتح الآفاق الرحيبة لنمط عجيب جديد من الخيال العلمي.
ويبدو من الآية أنها نُظمت لتجلية الميزان الأساسي المتمثل في﴿ يا موسى لا تخف﴾ وموسى متعين وغير متعين معا في ظل انفتاح النص الكريم على القاعدة التفسيرية التي تقرر أن العبرة بعموم اللفظ.
موسى في الآية يتجاوز حدود واحد من أولي العزم من الرسل إلى حدود وسيعة جدا.
موسى رمز على كل من ينتدب نفسه لتعليم الناس، ورمز لكل من ينتدب نفسه للقيام على أمر الجماعة من الناس.
وهو رمز لكل سائر في دروب طلب الحق ومواجهة أعباء الحياة ، والصدام مع معوقاتها.
و﴿لا تخف﴾ أمر واضح جدا بالشجاعة في مواجهة العقبات والعوائق.
وأمر مباشر بالشجاعة في مواجهة المعوِّقين الذين يستثمرون في تجارة الخوف والتخويف.
وهو أمر مشفوع بختام مدهش مثير جدا يقول﴿ إني لا يخاف لدى المرسلون﴾ ذلك أن استصحاب معية العزيز الحكيم الغالب القادر الغني تفرض ألا يتطرق معه خوف إلى قلب أي أحد، فضلا عن أن يكون نبيا مرسلا! وكيف يخاف من يعده الله تعالى على عينه لكي يسقط أعلى رموز الهيمنة المريضة ، والاستبداد الغشوم .
والآية تفتح الباب أمام ضرورة دراسة سبل الحماية الشخصية ، وهو بعض ما يظهر من العصا.
ثم إن الآية تعالن بأن معية الله تنتج مواجهة المخاطر بقلب جسور.
الآية تقرر أن الأمم الخائفة لا تنتج رفاهة ، ولا تؤسس حضارة ولا تحمي حياة.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: