الأستاذ الدكتور خالد فهمي : كأن القرآن يتنزل من جديد (زمان الأزمة/1 )

خزانة الأديب :
الأستاذ الدكتور خالد فهمي .

يقول أرحم الراحمين :
(فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا).

هذه آية من آيات اللحظة.
وهي بعض دليل على رحمة الله السابغة الذي ينذر خلقه بتبيان الطريق التي منها نجاتهم.
الآية شفافة من حيث المعجم والتركيب النحوي؛ إذ إنها تفتتح أمرها بباء السببية التي هي عين في التعليل.
ثم هي تستعمل الظلم من دون غيره من ألفاظ الحقل الدلالي من الجور والميل وغير ذلك.
والظلم لفظ بالغ الشفافية الدلالية والوضوح.
ثم من التي للبيان.
ثم الذين لدلالة العموم.
ثم حرّم الماضي الدال على المنع من أصرح دليل وأوضحه. ثم عليهم : في توجه المنع إلى هؤلاء الذين ظلموا.
ثم طيبات أحلت لهم: في دلالتها على أن الظلم يبدل النعم إلى نقم.ويضيق سعة الحياة. ويكدر معايش الخلق. وينسف موارد الخير. ثم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا: بما فيها من التمثيل بما جاء عاما في دلالة الظلم.
الآية تعالن بأن شره الإنسان وظلمه وتجاوزه وعدوانه هو المصنع الذي ينتج إفساد الطيبات.
و الآية ساعة تذكر طائفة من الظالمين لا تقصد إلى الاستقصاء.
إن منهج القرآن الكريم قائم على التمثيل.
وهو ما يعني أن حضور السبب يعني حضور النتائج المترتبة على الظلم.
وتحليل الآية الكريمة في سياق الكتاب العزيز كله تجعلها خالصة من قيود حبس معناها في زمان بعينه.
الآية تعالن بأن الله يفتتح تاريخ الأمم بالإحسان إليها حتى ترفض هي وتتورط في الظلم والعدوان فيكون منه تحريم الطيبات التي كان أحلها والتي كان نعَّمهم بها.
الآية تعالن بأن مآسي البشرية من صناعة أياديها. ومن صناعة شهواتها. ومن صناعة عدوانها. ومن صناعة التجرؤ علي الله تعالى.
الآية تعالن بأن بعض نتائج الإلحاد ماثل في الأوبئة وفساد الطيبات وتبدل النعم.
الآية تعالن بأن بعض نتائج الظلم والعدوان ماثل في قسوة الحياة وفي تبدل السلامة إلى أسقام وأوجاع وفي تبدل السعة إلى ضيق وفي تبدل الحلال إلى خبث وتبدل الأمن إلى خوف وتبدل الانطلاق إلى قيود.
الله يرحم ساعة يحذر. ويرحم ساعة يبين الطريق. ويرحم ساعة يأخذ على أيدي الناس. ويرحم ساعة يمايز بين صنوف الناس. ويرحم ساعة يفضح الظالمين.
الآية طريق للنجاة لو تعقل الخلق وتوقفوا عن الظلم والصد عن سبيل الله تعالي.

-------------------------------------------------------

للاطلاع علي الجزء السابق من سلسلة (كأن القرآن يتنزل من جديد) اضغط هنا :
سلسلة كأن القرآن يتنزل من جديد