الأستاذ الدكتور خالد فهمي :
كأن القرآن يتنزل من جديد
1441هـ=2020م
زمان الأزمة(7).
....
يقول الرب الرحمن الرحيم ﴿إلّا من ظَلم
ثم بدّل حُسنا بعد سوء
فإني غفور رحيم﴾ [ سورة النمل 27/11].
هذه آية حانية جدا على الإنسان، ومترفقة به، ومقدرة لصعوبات الطريق التي تضطره إلى جملة من الأخطاء في أحيان كثيرة.
وهى آية من آيات الوقت لمن يروم استنقاذ البشرية من شرورها وانكساراتها أمام الرغبات والشهوات والنزوات، والرعونات.
الآية بافتتاح نظمها بإلّا التي هى من مصانع الأمل_ تتصل نظما بالآية التي سبقتها على تأويلها استثنائيةً،
وهو ما يعني أن المعصية القديمة في تاريخ حركة الإنسان غير مانعة من إرادة التزكية اللاحقة فيما يتعامل به هذا الإنسان من حركة في الزمان .
ومن ظلم: مستثنى يتجاوز موسى إشعارا بقبول توبته مما صدر منه قديما قبل النبوة ، وكان تعلة لفرعون في طلبه لقتله به لولا أن نجاه الله بفضل نذارة الرجل الصالح الذي أطلعه على خبيئة مؤسسة الاستبداد والطغيان_ إلى غيره من كل من ظلم نفسه في نأنأة حياته الأولى بسبب من نزق أو طيش أو وفورة حماسة غير منضبطة.
وطريق التزكية اللاحقة والتوبة مما كان من تواريخ المعصية والآثام مشروط بتغيير السلوك ، وعلاجه وتبديل السوء إلى سلوك الحسن .
وطريق التزكية يلزمه إرادة صلبة ، وعزم حديد ، ومفارقة لزمان المعصية ، والسوء ، والظلم إلى نقيضه بالكلية. واستعمال الآية للفظة (حسنا) استعمال عبقري مطرد في الكتاب العزيز ، من حيث هو استثمار للاكتناز الدلالي الذي تدعمه الصيغة المحتملة للمصدرية ، والمحتملة للاسمية ، والمحتملة للوصفية معا. وتعدد التأويل من قبل بنية الكلمة صانع تعددا دلاليا مثريا للمعنى ، ومثريا للاستلهام المعاصر.
الآية مثال عبقري لطبيعة النموذج المعرفي الإسلامي الذي من سماته العطف على الإنسانية التي دوختها الذنوب والآثام والمعاصي.
ومثال عبقري للعطف على مناطق الضعف الإنساني، وانتشالها من انكساراتها.
ومثال عبقري في استثمار المعصية القديمة زادا على طريق استدامة التزكية اللاحقة وتغذيتها بوقود مانع من الانتكاسات المهلكة.
ثم إن قراءة الآية (ألَا من ظلم) على أن" ألا " حرف تنبيه يفتح الطريق لتقرير إحدى خصائص هذا النموذج المعرفي الإسلامي المتمثلة في رعاية استنقاذ الإنسانية كلها، وافتتاح طريق جديد للنهوض من السقوط والانتعاش من الكبوات.
والآية في ختام نظمها تبرهن على أن الظلم والذنب والمعصية ليست نهاية الطريق على كل حال؛ لأن الختام يدل الناس على طلب المغفرة والرحمة، من حيث يدل الناس على أن الله تعالى غفور رحيم .
وهذا الختام وإن جاء جملة خبرية فهو محتمل للأمر، ومحتمل للتعليل، ومحتمل لهما معا، لأن الله ساعة يدعو الإنسانية إلى التحول إلى طريق الحُسن والحُسنى يعلل ذلك بأن الداعي غفور رحيم. وساعة يدعو الناس لافتتاح حياة جديدة، وابتداء ميلاد جديد يأمرهم بالتخلص من أحمال الطريق القديم، وأوزار الطريق القديم، ورعونات الطريق القديم.
والآية الكريمة تدعونا للتحلي بمنظومة تعين على تعديل السلوك في تربية الذين أفرطوا على أنفسهم ، والغفور الرحيم هما مصانع هذه التحلي .
إنها توشك أن تدعونا، أن نعيد العائدين ونعينهم بالستر على ماضيهم الضاغط، منعا من مادة النُّكس والارتداد، وبإصلاح أمرهم والتحول بهم بعيدا عن تراث الفساد الذي كانوا يغرقون فيه ؛ ذلك أن مادة "غفر" مركوز فيها معنى الستر والإصلاح ! ثم تزيد الآية في ختامها فتدعونا إلى الإنعام والإفضال والترفق والترقق بهؤلاء العائدين إلى طريق الله.
الآية تعالن أن جزءا من مفارقة الأزمة كامن في ممارسات الرحمة.
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: