خزانة الأديب:
الشاعر إيهاب عبد السلام.
لم يكن هشام متهورًا ليُقْدم على أيّ فعل دون أن يحسب عواقبه، وأن يكون مستعدًّا لتلك العواقب تمامًا، بل إن عمله كمدرس للرياضيات عَوَّده أن يحل أصعب المسائل وأعقدها، فالواقع أنه كان يدرك تمامًا ذلك المأزق الذي وصل إليه وقد أعدَّ له مخارج كثيرة، وقد ازداد إعجاب عبير به عندما طرح حزمة من البدائل كلها جيدة بل رائعة للخروج من المأزق، وقد اتفق الاثنان على تنفيذ أحدها، ثم قال هشام لها: وهكذا أخرج أنا قفزًا من على السور وتخرجين أنت من البوابة معززة مكرمة مشكورة مأجورة.
قام هشام في دقائق بإنزال عدد كبير من الكتب من فوق الرفوف ورصها مقابل رفوفها على المنضدة الكبيرة، ثم تسلل إلى أحد الفصول الأرضية.
أطَلَّتْ عبير من الشباك ونادت على (بولُو):
- تعالَ بسرعة يا عم بَوْلُو تعالَ أرجوك.
- أمرك يا هانم.
- ساعدني في إعادة الكتب إلى الرفوف.. الجرد أخَّرَني عن أولادي يا عم بَوْلُو.. وعندي تفتيش الأسبوع القادم.
- والله يا أبْلَة حضـرتك الوحيدة التي تجهد نفسها في هذه المدرسة.. وَنِعْمَ الإخلاص.
بينما كان بَوْلُو منشغلًا بإعادة الكتب التي أنزلها هشام، كان هشام يتسلل خارجًا من المدرسة قافزًا من موضع منخفض في سور المدرسة يستغله بعض التلاميذ في الهروب، حتى لا يفتح مزلاج البوابة من الداخل فيكتشف بَوْلُو الحيلة، أو يتساءل عَمَّن كان في المدرسة وخرج أثناء انشغاله في المكتبة. فضلًا عن أن صوت المزلاج والبوابة ذاتها عندما تنفتح كفيل باستدعاء بوليس النجدة.
مَرَّ الموقف بسلام، وغادرت عبير إلى منزلها من بوابة المدرسة، وقد حافظ هشام وعبير على تلك العلاقة بحرص شديد؛ حتى إنه يستحيل أن يتطرق الشك إلى أحد في المدرسة تجاههما لحظة واحدة، فهشام معروف بحسن الخلق والست عبير سيدة محترمة للغاية، فهي من تلك السيدات الوديعات الهادئات، بل إن صوتها لا يكاد يرتفع أبدًا، وأقصـى حَدٍّ له بمقدار شرطتين من مؤشر (الريموت كونترول) عندما تستخدمه لرفع صوت التلفاز.
منذ ذلك اليوم كان كل من هشام وعبير يداعب الآخر بجملة (المكتبة تحتاج إلى جرد عاجل) فيبتسمان وهما يدركان أن تكرار ما حدث قد يعرضهما للفضائح، فليس كل مرة تسلم الجرَّة، وإذا انكسرت الجرة يستحيل إصلاحها.
ألح الشيطان عليهما كثيرا لتكرار ذلك اليوم وكانا كل مرة يؤجلانه فيعود الشيطان ويلح عليهما، حتى ثبت لهشام براءة الشيطان من ذلك وهو يستمع إلى حديث لفضيلة الشيخ الشعراوي؛ حيث قال الشيخ وكأنه يوجه كلامه لهشام دون العالمين:
لكي تعرف ما إذا كان الذنب من هوى نفسك أم من الشيطان؛ فانظر إذا كان يعاودك الإلحاح على فعل ذلك الذنب ذاته وأنت تقاوم فإنه من هوى نفسك، أما الشيطان فإذا صددته مرة وأخرى، فإنه يلجأ إلى حيلة أخرى وإغراء آخر ولا يضيع وقته في الإلحاح على ذنب محدد، فما يهم الشيطان هو أن تكون مذنبًا دون الحرص على ذنب بِعَيْنه.
قال هشام في نفسه وهو يستمع إلى فضيلة الشيخ: ما الحكاية يا عم الشيخ هل تكلمني أنا دون خلق الله..؟ هل علمت بما يدور في خاطري..؟ على كل حال يا سيدي، لقد أقنعتني أن إبليس بريء مما يدور في نفسـي، ربما يكون تفضل بفتح الباب فقط.. آسف بل تفضل بغلق باب المكتبة، ثم ترك الموضوع للنفس وهواها.. ولكن حتى إذا كانت النفس هي التي تعاود الإلحاح عليَّ لتكرار ما حدث، أليس لنفسي عليَّ حق..؟
- أولادي في رابعة وخمسة ابتدائي ضعيفان جدًّا في الرياضيات.. حاولت أن أساعدهما لكن المسائل صعبة وغريبة، لم تكن مقررة علينا عندما كنت في سنهما.
- عيب عليك.. كيف تعانين من هذا وأنا موجود..؟ دول أولادي يا عبير.. قصدي أولاد أختي.
وبذلك عرف هشام طريق البيت لذلك الهدف النبيل، ودخله نهارًا جهارًا...
أحيانًا من أجل الأولاد.
وأحايين من أجل عبير...
........
يتبع...
الشاعر إيهاب عبد السلام.
لم يكن هشام متهورًا ليُقْدم على أيّ فعل دون أن يحسب عواقبه، وأن يكون مستعدًّا لتلك العواقب تمامًا، بل إن عمله كمدرس للرياضيات عَوَّده أن يحل أصعب المسائل وأعقدها، فالواقع أنه كان يدرك تمامًا ذلك المأزق الذي وصل إليه وقد أعدَّ له مخارج كثيرة، وقد ازداد إعجاب عبير به عندما طرح حزمة من البدائل كلها جيدة بل رائعة للخروج من المأزق، وقد اتفق الاثنان على تنفيذ أحدها، ثم قال هشام لها: وهكذا أخرج أنا قفزًا من على السور وتخرجين أنت من البوابة معززة مكرمة مشكورة مأجورة.
قام هشام في دقائق بإنزال عدد كبير من الكتب من فوق الرفوف ورصها مقابل رفوفها على المنضدة الكبيرة، ثم تسلل إلى أحد الفصول الأرضية.
أطَلَّتْ عبير من الشباك ونادت على (بولُو):
- تعالَ بسرعة يا عم بَوْلُو تعالَ أرجوك.
- أمرك يا هانم.
- ساعدني في إعادة الكتب إلى الرفوف.. الجرد أخَّرَني عن أولادي يا عم بَوْلُو.. وعندي تفتيش الأسبوع القادم.
- والله يا أبْلَة حضـرتك الوحيدة التي تجهد نفسها في هذه المدرسة.. وَنِعْمَ الإخلاص.
بينما كان بَوْلُو منشغلًا بإعادة الكتب التي أنزلها هشام، كان هشام يتسلل خارجًا من المدرسة قافزًا من موضع منخفض في سور المدرسة يستغله بعض التلاميذ في الهروب، حتى لا يفتح مزلاج البوابة من الداخل فيكتشف بَوْلُو الحيلة، أو يتساءل عَمَّن كان في المدرسة وخرج أثناء انشغاله في المكتبة. فضلًا عن أن صوت المزلاج والبوابة ذاتها عندما تنفتح كفيل باستدعاء بوليس النجدة.
مَرَّ الموقف بسلام، وغادرت عبير إلى منزلها من بوابة المدرسة، وقد حافظ هشام وعبير على تلك العلاقة بحرص شديد؛ حتى إنه يستحيل أن يتطرق الشك إلى أحد في المدرسة تجاههما لحظة واحدة، فهشام معروف بحسن الخلق والست عبير سيدة محترمة للغاية، فهي من تلك السيدات الوديعات الهادئات، بل إن صوتها لا يكاد يرتفع أبدًا، وأقصـى حَدٍّ له بمقدار شرطتين من مؤشر (الريموت كونترول) عندما تستخدمه لرفع صوت التلفاز.
منذ ذلك اليوم كان كل من هشام وعبير يداعب الآخر بجملة (المكتبة تحتاج إلى جرد عاجل) فيبتسمان وهما يدركان أن تكرار ما حدث قد يعرضهما للفضائح، فليس كل مرة تسلم الجرَّة، وإذا انكسرت الجرة يستحيل إصلاحها.
ألح الشيطان عليهما كثيرا لتكرار ذلك اليوم وكانا كل مرة يؤجلانه فيعود الشيطان ويلح عليهما، حتى ثبت لهشام براءة الشيطان من ذلك وهو يستمع إلى حديث لفضيلة الشيخ الشعراوي؛ حيث قال الشيخ وكأنه يوجه كلامه لهشام دون العالمين:
لكي تعرف ما إذا كان الذنب من هوى نفسك أم من الشيطان؛ فانظر إذا كان يعاودك الإلحاح على فعل ذلك الذنب ذاته وأنت تقاوم فإنه من هوى نفسك، أما الشيطان فإذا صددته مرة وأخرى، فإنه يلجأ إلى حيلة أخرى وإغراء آخر ولا يضيع وقته في الإلحاح على ذنب محدد، فما يهم الشيطان هو أن تكون مذنبًا دون الحرص على ذنب بِعَيْنه.
قال هشام في نفسه وهو يستمع إلى فضيلة الشيخ: ما الحكاية يا عم الشيخ هل تكلمني أنا دون خلق الله..؟ هل علمت بما يدور في خاطري..؟ على كل حال يا سيدي، لقد أقنعتني أن إبليس بريء مما يدور في نفسـي، ربما يكون تفضل بفتح الباب فقط.. آسف بل تفضل بغلق باب المكتبة، ثم ترك الموضوع للنفس وهواها.. ولكن حتى إذا كانت النفس هي التي تعاود الإلحاح عليَّ لتكرار ما حدث، أليس لنفسي عليَّ حق..؟
ثم ينبعث صوت من أعماق نَفْسِ هشام: نعم يا هشام من حقها عليك ألا توردها موارد التهلكة، لا أن تغرقها في تلك البئر العفنة.. وعليك أن تستجيب لقول الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ولكن هشام تجاهل هذا الصوت كأنه لا يسمعه.
وفي اليوم التالي كان قاعدًا في المكتبة أمام أبلة عبير على مكتبها الخاص يتفقان على موضوع في غاية الأهمية.
- أنا حزينة يا هشام.
- خير يا عبير ألف مليون سلامة عليك..؟
- أولادي في رابعة وخمسة ابتدائي ضعيفان جدًّا في الرياضيات.. حاولت أن أساعدهما لكن المسائل صعبة وغريبة، لم تكن مقررة علينا عندما كنت في سنهما.
- عيب عليك.. كيف تعانين من هذا وأنا موجود..؟ دول أولادي يا عبير.. قصدي أولاد أختي.
وبذلك عرف هشام طريق البيت لذلك الهدف النبيل، ودخله نهارًا جهارًا...
أحيانًا من أجل الأولاد.
وأحايين من أجل عبير...
........
يتبع...
ما رأيك بالموضوع !
0 تعليق: